عفوًا عُمان.. الحب شيمة أهله الغفران

د. سيف بن ناصر المعمري

وَصَف أحدُ الرَّحالة يومًا عُمان وصفًا لا يزال صالحًا للتعبير عنها في مختلف الأوقات، خاصة اليوم؛ حيث تتزايد الحملات الإعلامية من حولنا؛ حيث قال إنها: "الصخرة الثابتة في بحر مُتحرك من الرمال"، قد يبدُو الوصف جغرافيًّا في ظاهرِهِ للبعض، لكنه تعبيرٌ دقيقٌ لمن يعرفون هذا البلد بعمق، ويعُون سُكانه وتاريخه ومبادئه ومواقفه؛ فالتعبير له دلالاته السياسية التي لا يُخطئها أحد، خاصة من تابع تاريخ منطقة الخليج العربي بصفة خاصة، ومنطقة الشرق الأوسط بصفة عامة، خلال الخمسين عامًا الماضية؛ حيث يجد عُمان هي "الموقف الثابت في منطقة متحركة بالأهواء والمواقف والنزعات والمؤامرات التي حصدتْ عقودَ وثروات وأجيال عربية لا يمكن أن تعوض، وقادت هذه المنطقة شيئا فشيئا إلى التراجع وفقدان دورها الإستراتيجي العالمي، ولم يعُد كثير من السياسيين عبر العالم ينظرون إليها إلا على أنها الدجاجة التي تبيضُ ذهبا؛ فيأخذون الذهب ويدعونها تنقنق، حيث يضعون لها على سياجها الأعداء الذين عادة تخافهم، وهو الثعالب أو البوم، أو غيرهم من الشماعات التي لا تجعل أحدًا يُفرِّط في ثرواته بهذه العبثية التي لم يشهد لها التاريخ مثيلا، وبدلًا من أنْ يُعِيد هؤلاء الأخوة والأشقاء التفكير فيما قاموا به، وما زالوا يقومون به، ويعيدون أنفسهم إلى جادة الصواب التي سيكون فيها خيرهم وخير شعوبهم، وأمنهم وأمن جيرانهم، ويتعلَّمون الثبات على الموقف الواحد، والحفاظ على رابط الأخوة من عُمان التي تعدُّ أمًّا لهذه المنطقة، وجدت فيها لقرون طويلة وخبرة فيها الكثير من الدروس من القوى الإقليمية المتعاقبة، وعرفت أنَّ القوة فيها قبل كل شيء ليس للمال أو للغلبة، ولا للعدة ولا العتاد، إنما للسياسات الحكيمة وللتوازنات الناجحة التي تجعل الجميع ينعم بالرخاء.

قدر عُمان بجلالها وهيبتها وبحكمتها وترفعها في ظل هذه "السياسات الصبيانية" أن يُحمِّلها البعض وزرَ أخطائهم، بدلا من أن يُحمِّلوا أنفسهم.. لم يكن ذلك مرة واحدة، إنما عشرات المرات، فهم يُلقونها في كل آبار خطاياهم السياسية؛ ولكن الأيام تُبرِّئها من كل ما يريدون بها، كما برأ الله الذئب من دم يوسف حين ألقاه إخوته في غيابات الجب، حدث ذلك أكثر من مرة وليس فقط الأسبوع الماضي وما قبله؛ وليس فقط من مسؤول بارز له مكانته، أو مؤسسة ما تعبر عن رأي دولة ما، وليس فقط من رجل دين أو إعلام، أو من طائش علي شبكات التواصل الاجتماعي. وحين يلوك هؤلاء- في كل شيء- عُمان بكل هذا، فعلينا أن لا نحزن؛ بل علينا أن نبتهج ونفرح؛ فالناس لا تلوك "العلكة" إلا لتطيِّب أفواههم من أية روائح غير طيبة؛ وبالتالي لنا الأجر في كل ذلك، ولنا الثواب أننا ببثنا الطيب في أفواه ضَلَّت أو ضُلِّلت بما يجري، وذهبت تنسج الأكاذيب وتصدقها بأن عُمان هي مصدر الفرقة وتشتُّت الشمل؛ ونحن لم نرمِ يومًا بفرقة أو تشتت شمل، شهادة لم يحصل عليها أحد غير أهل عُمان من العالمين؛ ولن يحصل ذلك اليوم ولا في الغد؛ نُحب الشعوب ونريد لهم الخير والصلاح؛ وننصرهم ظالمين أو مظلومين؛ فحين كان الاعتداء على أحد الأشقاء قَاتَلَ العُمانيون من أجل تحريرهم؛ ولكن حين ذهب البعض للاعتداء على آخرين رفضنا الاشتراك معهم، لإدراك أن ذلك عامل من عوامل نصرته وهو ظالم، فلا شيء أسوأ من تزيين الباطل، خاصة وإن كان هذا الباطل حربا مُعقَّدة يعرف الجميع نتيجتها وثمنها الباهظ مسبقا؛ وبالتالي بدلا من أن يكون هذا موقفا يُحسب لعُمان أصبح موقفا يحسب عليها.

إنَّ السنوات الماضية علَّمتنا أنَّ الهجمات تزداد على عُمان في حالتين؛ الحالة الأولى: هي النجاحات التي تحرزها عُمان في مجال السياسة الخارجية؛ فحين وقع الاتفاق النووي الإيراني في مسقط في العام 2015م انطلقت الأبواق الإعلامية المعتادة تنتقد ذلك. أما الحالة الثانية التي تهاجم فيها عُمان، فهي حين يفشل الآخرون في مشاريعهم التي رفضت عُمان أن تكون معهم فيها؛ حيث يكتشفون حينها بُعد نظرتها وسلامة موقفها؛ وبدلا من أن يتعلموا من ذلك، يدفعهم الإحباط إلى شن العملات الإعلامية ضدها. وتأكدنا من ذلك اليوم، بعدما فشلت التدخلات والحروب في إعادة صياغة المنطقة وفق رؤية البعض؛ فبدلا من أن يهبوا الآخرين الأمن المزعوم؛ أفقدوهم أنفسهم وذهبوا يطلبون ذلك من الآخرين الذين لا يقدمونه لهم بدون مقابل، إنما يستقطعون نظيره من ثرواتهم.

إذن عُمان في كل ذلك ظلت صخرة ثابتة تتحرك كل هذه الأنواء من حولها، تراقبها، وتتعامل معها كما ينبغي دون أن تتركها تعصف بها وتجعلها تحصد كل هذا الإحباط الذي حصدها الذين يشنون كل هذه الحملات ضد عُمان، ولا أحد مثل عُمان حافظ طوال قرون على روابط الأخوة مع عالمه العربي والإسلامي، ولا أحد مثل عُمان تعرض لكل هذه الحملات والافتراءات من البعض، ولكن لا تزال تكظم الغيظ وتعفو عن كل شيء؛ ولم تتخذ يوما قرارا بمحاصرة أو إغلاق حدود أو سحب سفراء أو مقاطعة، فكل هذه الكلمات لم يعرفها العُمانيون طوال تاريخهم، لا أحد مثل العُمانيين لم يرمِ بفرقة أو تشتيت شمل، لم تصدر من أرض عمان أي دعوة للكراهية، أو الإساءة للآخرين، أو الإخلال بأمنهم. ولذلك أما آن للذين يحركون كل هذا الاستفزاز ضد العُمانيين أن يُدركوا أنهم لن يحصدوا إلا ما حصدوا في حروبهم وحملاتهم الأخرى التي آلت إلى الفشل؛ وأن العُمانيين سيظلون أوفياء يُحبُّون الجميع مهما فعلوا لهم، رغم رداءة هذا الزمان الذي عبر عنه الشاعر مانع بن سعيد العتيبة منذ عدة عقود:

هذا هو الزمن الرديء نعيشه ولكل جيل دولة وزمان

الزيف يجعلنا نقول لظالم للعدل أنت السيف والميزان

والزيف أستاذ النفاق وكل من يخفي الحقائق كاذب وجبان

عفوا عُمان فأنت أرض محبة والحب شيمة أهله الغفران