التعليم.. المعركة التي تحدِّد مصيرنا

 

د. سيف بن ناصر المعمري

ليستْ مُبالغة تصوير التعليم على أنه معركة تحدِّد نتيجتها مصيرَ أي بلد في هذا العالم، الذي يزداد تنافسًا، ويزداد استغلالًا من قبل الأقوياء للضعفاء. ونحن نَرَى أمامنا في كلِّ الاتجاهات كيف تُمارس البلطجة على الدول الضعيفة، وكيف تُستغل حاجات البلدان الاقتصادية.

وفي كلِّ ذلك تقفُ الجيوش مهما كانت عُدتها وعِتادها ضعيفة قابعة في ثكناتها، لأنَّ مثل هذه الحروب الاقتصادية والثقافية لا تحسمُها الجيوش إنَّما تحسمُها العقول الواعية المتسلحة بالمعرفة الحقيقية والمهارات التي تستطيع بها إنتاج الاختراعات، والمشاركة في صناعة التفوق الذي يصنَع القوة التي تقود إلى المهابة في مختلف القطاعات.. أقول هذا لأبناء وطني وغيرهم في المنطقة مع بداية العام الدراسي جديد؛ حيث لا يلتفت في المعنيين من أولياء أمور ومسؤولين إلا لتوفير المستلزمات المختلفة التي لن تشفع لهم في إيجاد تعليم حقيقي ما لم نستغل هذه المناسبة للتأمل: إلى أين يمضي تعليمنا؟ هل يقُودنا إلى حسم المعركة لصالحنا أم يقودنا إلى أن نخسر شيئا شيئا؟

لستُ هُنا لأعكِّر صفوَ هذه المناسبة، ولا لأبث الإحباط وجيشٌ كبير من طلابنا ومعلمينا يستعدون ليبدأوا المارش الأول إلى الثكنات (المدارس) التي نُريدها أن تُوفِّر لنا الحماية المعرفية والاقتصادية. ما الذي نعدُّه لهم في هذه الثكنات لكي يقوموا بمهمتهم المقدَّسة خير قيام؟ ما العقيدة الوطنية التي نُربيهم عليها وتقودهم إلى أن يُناضلوا كل يوم ببسالة من أجل أن يكُونوا أكثر قوة وذكاءً؟ تُحَاصِرنا الأسئلة من كل مكان، وتدعونا إلى أن نُحرِّك كل مقومات قوتنا من أجل دعم المدارس والمعلمين، وتجديد مناهحنا وأساليبنا، وتطبيق الصرامة في تقويمنا، وتتبع مؤشرات النجاح والفشل التي يُمكن أن تَجْعَل هذا الجيش الكبير من ذوي العقول يُمكن نتيجة الضعف -أيًّا كان شكله: معرفيًّا أو وجدانيًّا أو معرفيًّا- أن ينحني أمام أية عاصفة اقتصادية أو اجتماعية أو عالمية، أو أنه بتكوينه لا يستطيع أن يُنازع لقمة العيش من هذا العالم الذي يزداد تفاوتًا في الفرص والدخول والإمكانيات.

من سيَرْفَع هذا البلد ويحافظ عليها إن نتجتْ هذه المعركة المستمرة والطويلة عن أجيال مُنحنية أمام الظروف والتحديات، وما أكثر، أو أمام المزاحمة في لقمة العيش داخل هذا البلد؟ هنا، نقُول للجميع نفس ما قاله الذين أعدوا التقريرَ الأمريكيَّ حول واقع التعليم "الأمة في خطر" لو ثبت أنَّ هناك قوة خارجية تعمل على إضعاف التعليم سوف بعد ذلك تهديد الأمن الوطني وسوف يواجه بصرامة كبيرة''. أما إذا لم يُواجَه الأمر بصرامة، إذن فهذا مؤشر على أنَّ التعليم ليس آمنا قوميًّا يستحق ردات الفعل الصرامة من أجل تطويره والتخلص من التراكمات الكثيرة التي تُعِيقه.

لا بأس من توجِيه الجهود والاهتمام بالقطاعات الاستثمارية والاقتصادية، وإعادة هيكلتها وتحريك مسؤوليات بعض هيئاتها. ولكن هذا لن يقُود إلى الانتصار في معركة التنمية والمستقبل؛ لأن هذا المسار قاد لتفاوتات تهميش، ولم يحمِ أغلبَ الشباب من البطالة وضعف القدرة على المنافسة.. لا بَأس من الاهتمام بقطاعات عسكرية، وتوجيه نسب كبيرة من الموازنة لها، فهي تقوم بحماية الحدود، لكنها لن تُحرِّك نهضة اقتصادية، ولن تُوجِد فَوَائض في الموازنة. ولكن التعليم هو القُادر إذا ما لقي نفس ذاك الاهتمام والعناية من الانتصار في معركة التنمية، في ظل التحديات الاقتصادية، كل مدرسة أو كلية أو جامعة هي مكان لصناعة مقاتلين، لا لإعداد طلاب لحفظ معلومات وأداء اختبارات لا تقود الفرد إلا للوصول إلى البيت والجلوس فيه. علينا أن نَعِي أننا الآن بين عواصف، ولن يحفَظ توازننا إلا جيش من المتعلمين، هَم الذين يُمكن أن يُخرجوا لنا نموذجًا اقتصاديًّا مختلفًا، للقفز به، بدلا من هذا التطلع ليوم لن يأتي أبدًا ترتفع فيه أسعار النفط.

لا شكَّ أنَّنا ونحن نقف على أعتاب عام دراسي جديد أن نُعِيد التفكير في أوضاع التعليم، وما إذا كان قادرًا على أن يكون السلاح الذي يُمكن أن نحسِم به معاركنا في مختلف الجبهات مع الماضي والحاضر والمستقبل؟ إنْ لم يَكُن سلاحا فعَّالا، فعلينا أن نفكر لماذا هو كذلك، ونُصَارِح أنفسنا بكل الإشكاليات، ونبدأ في الإصلاح فورا؛ لأننا كَمَا ذكرنا في الأعلى أنَّ هذه المعركة لا تنتظر التباطؤ والتسويف، وعشر سنوات أخرى من الدوران في نفس الخطابات والوعود، فتقرير "أمة في خطر" وضع 38 توصية لإصلاح التعليم في أمريكا ووضع لها فقط 3 سنوات.. إنها الحاجة الملحة والشعور بالخطر، وأي خطر أكثر إلحاحا للتحرك من الخطر الذي يواجه التعليم؟!