إبداعٌ لفظي على الأقل

غسان الشهابي

لم يلفتني من كلام غاضبة تعرضت لمواقف سيئة في بلادها، وقامت بتسجيل نفسها، تهيل أقذع كلمات السباب على بلادها وكل ما يتعلق بها، بمن فيها هي شخصيًّا؛ لم يلفتني فيها إلا عبارة واحدة قالتها: "أهذه هي الدولة التي كل العالم يتآمر عليها؟!".

فلقد بلغني -أيها القارئ السعيد- أن هذه العبارة تلف وتدور على امتداد الوطن العربي، وأعتقد أن مثلها يقال في جميع الدول التي تسمح لنفسها الاكتفاء بتبرير فشلها، أو قلة حيلتها في اللحاق بركب الدول المتقدمة، وتلك التي تتعثر خطواتها وتخرج من فشل لتدخل في ورطة، فكيف يتم تبرير هذه السلسلة من التخبطات التي تقوم بها أنظمة تصمّ آذانها عن سماع أصوات أبنائها في المقام الأول، كما تتخذ وضعية القردة الثلاثة (لا أرى، لا أسمع، لا أتكلم) تجاه التقارير العالمية سواء على المستوى الاقتصادي، أو الحقوقي، أو الحريات، أو أوضاع الفئات الضعيفة، أو التعليم، أو الصحة... فكل هذه التقارير -بالنسبة لها- تصدر عن جهات تدّعي الحيادية، لكنها تتآمر علينا في الغرف المظلمة طيلة عقود من الزمان. أنظمة لا تقبل النقد، ولا تستجيب للإصلاح، ولا تفكر في المشاركة الشعبية؛ لأن ذلك سينزع عنها صلاحياتها، وإن أشركت الشعب، أشركت من تريد أن يسمعوها عبارات الإجلال والتبجيل، بأن هذا النظام هو أعظم نِعَم الله على البلاد والعباد!

شيئاً فشيئاً تسرّبت هذه الجرثومة إلى قاعدة الهرم، فصارت الفصائل الفكرية أو الدينية لا تترك شاردة ولا واردة إلا وذكرت التآمر وذكّرت به. ولو سألنا عن التآمر على المستوى الشعبي لقيل لنا: البرامج الإعلامية الغربية التافهة، الأغاني الماجنة، الموضات الغريبة الماسخة للإنسانية، الملابس، قصات الشعر، الوشم، العلاقات خارج الأطر الدينية...إلخ، والتساؤل: لماذا هذه الأمور تهشمنا بينما هي نفسها تسود في الدول التي أطلقتها ونرى التصنيع والتسليح والاقتصاد عندهم يقوى، ولا تهمّها هذه المؤمرات التي لا تؤثر إلا علينا وعلى أمثالنا؟!

كُلما رأيت مسؤولاً في أي موقع وفي أي بلد كان، يتحدث عن "مؤامرة"، لا أستطيع أن أملك نفسي من تخيل غبار بني اللون، كغبار المومياوات يخرج من فمه ومنه تخرج عناكب على غير هدى، وتتشوش الصورة لتنقلب إلى الأسود والأبيض وتعود مضطربة إلى الوضع الراهن... سحقاً... لقد تعبت الشعوب من كلمة "المؤامرة" فهي من مفردات القرن العشرين.. أين تجديد الخطاب؟!