ملاعبنا !!

المعتصم البوسعيدي

 

لقد جاءَ تداول مجموعة من الصورِ المنقولةِ حديثاً عن استادِ السعادة بمحافظةِ ظفار، ليُعيدَ الحديث عن ملاعِبنا الرياضيةِ وما نعيشهُ وسطَ هذا العالم الكبير الذي باتَ صغيراً تكأد لا تتحرك فيه قيد أنملة في أقصى الشرقِ حتى يعلمها قاطني أقصى الغرب، وبالتالي تقلصت فوارق المعرفة بين خلق الله، مما جعلَ الإنسان ــ على اختلافِ وعيه ــ مُحصناً ــ نسبياً ــ من التغييبِ الذي يُمارس عليه في زمانٍ مضى وحاضر مُعاش وآتٍ قادم.

 

يُعتبر استاد السعادة من المنشآتِ الرياضيةِ الحديثةِ بالسلطنة، ورغم ذلك شهدَ توقف لسنواتٍ للقيامِ بعمليةِ تطوير مرافقهِ وزيادة سعتهِ الجماهيرية، ويقع الاستاد تحت مظلة وزارة الشؤون الرياضية التي سارعت لتصدير بيان عاجل في ضوء الحديث المتناقل عن أرضية الملعب، وقد عللت الأمر بنتيجة الفحص الذي قامت به للتربة، فحصٌ لم يقف في الداخل المحلي؛ بل استوجبَ التأكد من الخارج مما ألزمَ تدخل فوري للمعدات وفرض التغيير على المقاول، ومع إيجابية ذلك ولكن كأني ببيان الوزارة يقول" "دَعْ عَنْكَ لَوْمي فإنّ اللّوْمَ إغْرَاءُ / ودَاوني بالّتي كانَتْ هيَ الدّاءُ" وكأنَ لسان حالَ الناس يرد: "فقلْ لمنْ يدَّعِي في العلمِ فلسفة ً / حفِظْتَ شَيئًا، وغابَتْ عنك أشياءُ"!!.

 

ما ان استبشرنا خيراً في إعادةِ فتح استاد السعادة بعد عملية توسعته وتطويره حتى عادَ ليتوقف مرة أخرى، الأمر الذي ينقلنا إلى الحالةِ الذهنيةِ المُترسخة في الأذهان عن كل مشاريعنا بشكل عام؛ تأخيرٌ وتسويفٌ وتبريرٌ وميزانيةٌ لا تتواكب مع واقع المشروع والإبهار المؤمل الذي سرعان ما يتلاشى عند نهايةِ الأعمال، وهي حالة تتجلى في أكبرِ صورها مع ملاعِبنا الرياضية المُنتشرة في ربوعِ السلطنة، التي تقفُ "باسمنتها" جامدةً المشاعر خالية من الأحاسيس؛ فقد ولدت ــ على ما يبدو ــ بلا قلباً نابض ولا ضميراً حي!!.

 

إن بيانَ وزارة الشؤون الرياضية ــ بالرغم من ردةِ فعلهِ الجيدة إعلامياً ــ يؤكد لنا حقيقة الغياب عن هذا العالم الرياضي الواسع،وما وصلت إليه الدول في مجالاتِ البناءِ والتطويرِ والاستثمار، وهو أمرٌ ــ بكُل صراحة ــ غير مفهوم ويبعثُ الحيرة في الكيفية التي تتعاطى بها الدولة مع عموم الجماهير الواعية لما يحدث من حولها. حقيقةٌ تنطوي على عدم إمتلاكنا لملعبٍ واحد يواكب العصر مع استمرارنا في البناءِ حتى اللحظة، وحقيقة عدم استضافتنا للبطولاتِ العالميةِ التي ترتقي بعمليةِ التقييم والتطوير إلى مستوياتٍ عاليةِ الجودة، وحقيقة إن المبالغ المُخصصة لهذهِ الملاعب ليست بالمبالغ التي تتصاغرُ معها الطموحات؛ فهي توازي بناء الملاعب العصرية التي نراها ــ بحسرة ــ في الجوارِ القريب والبعيد، وحقيقة إننا لا نعمل على استثمارِ هذه الملاعب بالصورةِ الكاملة مع نقص حاد في الخدماتِ وعدم الاستفادة من التجارب، ولا حتى النقد الذي يطالنا في جودةِ العشب ــ مثلاً ــ كما أتضحَ أبانَ استضافتنا لمُبارياتِ الملاعب المُحايدة في البطولاتِ الآسيوية.

 

"ﻻ يكفي أن تكون على قيد الحياة؛ بل يجب أن تكون ــ أيضاً ــ على قيد الأمل، على قيد الحلم، على قيد التفاؤل، وعلى قيد شيءٌ جميل سيحصل لك يوماً ما".. أكادُ أجزم إن هذه العبارة هي التي تُمني بها الجماهير الرياضية نفسها مع إشراقةِ كل يوم دون أن يحصل ذلك عاجلاً وربما حتى آجلا، ولا عزاء لهم ولا هم يحزنون؛ حيثُ المنة يلحقها الأذى عن ملاعب منتشرة في ربوعِ السلطنة، وهي مُتاحة لفعالياتٍ ومناشطٍ كثيرة كصيف الرياضة ومعسكرات الشباب، وشجع فريقك، وجدولٌ أعمال يبتسم له ثغر كاتبيه في ختامِ كل سنة "وهَاتُوا بُرْهَانَكُمْ" فأمانينا أرقامٌ تتحدث ونحن "صادقين"!! وعن أي صدق نتحدث؛ ونحن لبطولةٍ خليجيةٍ قمنا بالترقيعِ والترميم، وأغلقنا ملف استضافة أمم آسيا حتى قبل فتحه، وحرمنا أنفسنا من مُجردِ الحلم بالعالمية، ومنعنا البطولات أن تأتي إلينا كواردات تسعى أو كصادرات مُمكنة، ومدينة رياضية نسمع "جعجعتها" ولا نرى "طحينها"، وتحت أكمةِ المجتمع الرياضي خسرنا الرياضة والمجتمع الذي ــ صدقوني ــ يعرف جيداً كيف يفرق بين الثرى والثرياء؟!