مرئيات الحل لقضيّة محاضري كليّات التقنية

د. عبدالله باحجاج

وعدنا في مقالنا الأخير المعنون باسم "قضيّة محاضري كليات التقنية السبعة" التابعة لوزارة القوى العاملة، باستكمال هذا الملف من منظور مرئيات وحلول لجنة التربية والتعليم والبحث العلمي بمجلس الشورى التي تدخلت في هذه القضية بناءً على طلب الكثير من محاضري هذه الكليات من العمانيين، وقد وقفنا عن كثب على كيفية إدارة ومعالجة هذه اللجنة لهذه القضية، وكذلك النتائج التي توصلت إليها، وما يميّزها التالي:

تبني اللجنة نهجا علميا رصينا يعتمد على الاستقصاء والبحث من مصادر رسمية، وهي في الوقت نفسه- أي المصادر-  معنيّة مباشرة بالقضية، ومن ثمّ القيام بمقارنة بين الرؤي والوقائع والتجارب، والتوصل إلى حلول موضوعية من واقعنا العماني نفسه، والمثير فيه، الكشف عن بعض المفارقات التي تدعو للدهشة- سيأتي على ذكر بعضها لاحقا -.

بدأت هذه اللجنة عملياتها البحثية من خلال فتح حوارات ونقاشات شفافة وصريحة، تمثل نموذجا للدور الرقابي لمجلس الشورى، ولو عرفت مرئياتها النور، لكان ذلك مؤشرا لتدشن آفاقًا رحبة للفترة التاسعة المقبلة لمجلس الشورى، وقوة دفع جديدة لانتخابات الشورى المقبلة، ورفع بعض المعنويات المتحفظة على أداء أعضاء الفترة الثامنة للمجلس التي هي الآن على وشك الانتهاء.

استدعت اللجنة مسؤولين كبار من الوزارات التالية، التعليم العالي للوقوف على تجربتها الناجحة في تعمين الوظائف الأكاديمية وبالذات محاضري اللغة الإنجليزية في كليات العلوم التطبيقية، ووزارة القوى العاملة لمعرفة أسباب التعاقد مع الشركات وعدم التوظيف والتعاقد المباشر مع المحاضرين العمانيين، ووزارة الخدمة المدنية لمعرفة موقفها القانوني من هذه القضية.

وتمثل تجربة التعليم العالي، النموذج الذي نرى أن يُعمم على كليّات التقنية السبعة والمعاهد الفنية التابعة لوزارة القوى العاملة، ففي كليات العلوم التطبيقية، لا يوجد أي محاضر عماني يتم التعاقد معه سواء عن طريق الشركات أو العقود، وإنّما التعيين المباشر، ويرجع هذا السبب إلى إخراج كليات العلوم التطبيقية من إطار الخدمة المدنية، ومنحها الاستقلال المالي والإداري، مما مكن هذه الكليات من التفاوض مباشرة مع وزارة المالية لرفع نسبة التعمين والحصول على الدرجات المالية.

وقد تمّ تعيين المحاضرين العمانيين في هذه الكليات بالدرجة المالية الثالثة براتب شهري يقارب 2300 ريال، وقد نجحت كليات العلوم التطبيقية في تعمين 53% حتى عام 2017، وهذه تعد – كما يقول تقرير اللجنة – أعلى نسبة تعمين في مؤسسات التعليم العالي في البلاد، علما – والقول هنا للجنة المذكورة – بأن بعض التخصصات وصلت نسبة التعمين فيها إلى 100%.

وخلصت اللجنة من مناقشات وحوارات الملف مع مسؤولين من القوى العاملة إلى عدم وجود جدية منهم في تثبيت المحاضرين في كليات التقنية، وإصرارهم على استمرار التعاقد مع الشركات، مبررين ذلك إلى تزايد إعداد الطلبة سنويًا، ووجهت اللجنة اهتمامات صناع القرار إلى البحث في جنسية بعض الشركات التي يتم التعاقد معها سنويا، وقد كشفت هوية إحداها، وهنا تكمن المفارقة التي لوحنا بها سابقا، وهي تطرح مجموعات تساؤلات كبرى، لماذا، وكيف نتيح لمثل هذه الهويات أن تتغلغل إلى هذا العمق من جهة وتركها تختار المؤطرين والمؤسسين لجيلنا الجديد؟ علمًا بأنّ كليات التقنية تستوعب 40% من مخرجات الدبلوم العام "الثانوية سابقا" ونتوقع أن يزدادوا خلال السنة الحالية.

من هنا تطالب اللجنة إيقاف المناقصة الجديدة التي أرسلتها وزارة القوى العاملة لمجلس المناقصات والتي ستبدأ من 1/9/2019 إلى حين إيجاد الحلول المناسبة، وقد حصرتها – أي الحلول – في التقاعد المباشر مع الأكاديميين العمانيين، ونقل الإشراف المباشر على الكليات التقنية والمهنية إلى وزارة التعليم العالي أو هيئة مستقلة عن القوى العاملة.

كما طالبت اللجنة توفير الدرجات المالية التي تحتاجها المؤسسات التعليمية خصوصا في الجوانب الأكاديمية لتحقيق مزيد من الاستقرار لدى هذه المؤسسات وكذلك ضمان البعد عن الهدر المالي الحاصل حاليا نتيجة التعاقد معهم عن طريق المؤسسات الوسطية، وهذا نقلا عن تقرير اللجنة.

دحضت اللجنة المزاعم التي تروج عن نقص الكفاءات العمانية، وأكدت على أنّ القدرات العمانية تستحق التوظيف أكثر من الوافدين، ومن ثم دعت إلى وضع خطة لتعمين الوظائف في الكليات، مشيرة إلى الفارق الكبير جدا بين أعداد العمانيين والوافدين سواء الأكاديميين أو الفنيين، فمثلا 61 محاضرًا عمانيا مقابل 1229 وافدا، و38 فنيا عمانيا مقابل 336 وافدا.. والقائمة تطول!

تلكم النتائج والحلول التي توصلت لها لجنة التربية والتعليم والبحث العلمي التابعة لمجلس الشورى، تنصف المحاضرين العمانيين، وتسحب كل المبررات التي تجعل من قضية المناقصات مع الشركات للتعاقد مع أجل توفير المحاضرين العمانيين والوافدين قائمة حتى الآن، فوراءها أموال عامة، المواطن هو المستحق لها، وهو الأولى بها، ومن مصلحة بلادنا تدويرها داخل حدودها، ودون ذلك، فإنّ المستفيد الأكبر منها الشركات المحلية والخارجية على حساب المواطنين الذين يتم التعاقد معهم كأنهم أجانب.

كما أنّ نجاح تجربة كليات العلوم التقنية، ترجح كفّة وقف المناقصات ومنح كليات التقنية الاستقلال المالي والإداري، وحرية التعاقد المباشر والتوظيف لكل كفاءة عمانية بالتنسيق مع وزارة المالية خاصة، وأنّ النقاشات مع وزارة الخدمة المدنية تعزز مثل هذه المسارات.. وهي وطنية من كل النواحي، كالاطمئنان على البعد الوطني لعلميات التأسيس والتأهيل للآلاف من الطلبة والطلبة. والحفاظ على حقوق العمانيين في الأموال وفرص العمل داخل وطنهم.

تقرير اللجنة الآن، لم يعد شأنا خاصا بها بعد أن تبناه مجلس الشورى، فهو يمثل موقف المجتمع، يجسده هنا شريك الحكومة الدستوري، كما ان القضية لم تعد قضية مؤسسة، بل قضيّة حكومة ومجتمع، وإني على يقين أنّ هذا الملف سيتم التجاوب معه إيجابًا بعد نجاح تجربة كليّات العلوم التطبيقية وبعد انكشاف البعد الخارجي في قضيّة محاضري كليّات العلوم التطبيقية، لكن متى سيتم حل القضيّة؟ سنترقبه بفارغ الصبر، وذلك لحمولاته الحقوقية المستحقة لهؤلاء المواطنين، وحمولته الوطنية كما سبقت الإشارة إليها، مما تحتم المصلحة العامة تجميع كليات التقنية السبعة والمعاهد الفنية المنتشرة في أنحاء محافظات البلاد في جامعة واحدة تتمتع بالاستقلال المالي والإداري وتحت إشراف وزارة التعليم العالي، وخاصة أمامنا الآن تجربة ناجحة شقت طريقها بكل هدوء، فهل سنستفيد منها أم يتم تجاهلها؟