ما أصعب أن نختلف

 

 

غسان الشهابي

 

لا أستمع للبرامج الجدلية الحوارية في الإذاعات من أجل الخروج باستفادة، ولكن من أجل زيادة اليقين بما توصلت إليه قبل سنوات، وهو امّحاء الاستقلالية لدى الشعوب العربية، حتى الكثير من مثقفيهم، ليكون الناس على دين قياداتهم.

هذا الانسياق إلى الرأي الرسمي في الأنظمة العربية قد يراه السُّذج من شكله الظاهر بأنّه يمثل تماسك الجبهة الداخلية، والتفاف الشعوب حول قياداتها، ولكنّه – في الوقت نفسه - يحمل في طياته أيضاً بعضاً من المعاني والشكوك وليس أقلها أن ليس هناك طرفاً من الرأي العام حرّ يمكنه التعبير عن مكنوناته، أو أن غسيلاً لأدمغة الشعوب يجعلها تنطق برأي واحد لا شريك له ولا مائل – ولو بعض الميل – عنه، أو أنّ المعبرين عن آرائهم وهم يتحدثون يستحضرون ما خبروه أو ما سمعوا عنه من وسائل إعادة الإنسان إلى جادّة الصواب!

ومع أننا نقرأ آناء الليل وأطراف النهار كتاب الله الذي يرد فيه قوله تعالى عن القصدية الإلهية من اختلاف ألسن الناس وألوانهم، وبالتالي أيضاً، اختلاف أذواقهم وأمزجتهم وأفكارهم وآرائهم، إلا أنّه من الواضح أنّ الكثير منّا يجعل ما في القرآن في القرآن، وما في الواقع في الواقع، ولا يجري سحب هذه الاختلافات على ما بيننا، والتفكّر في صحّيّة هذه الاختلافات من أجل تطوير الأفكار والحلول للمشاكل، بدلاً من هزّ الرؤوس موافقة.

ففي الربع القرن المنصرم تعلمنا تعبيراً، وتعلمنا ألا نؤمن به، وهو "الرأي والرأي الآخر"، والمقصود بالرأي الآخر هو الصوت الآخر المكرر للرأي نفسه، أمّا إن كان من الآراء المخالفة فتجري خصومتها حتى الفجور، إن لم يجر محو أصحابها من على البسيطة بحجة أنّهم خطر يتهدد النظام، ما لم "يتحدث" إليه رجال أشدّاء، ويستتاب من أفكاره المدمّرة، وهذا أقل ما يمكن أن يُعلن عنه، فلا يتم عادة الإعلان أنه من بعد النقاش خرج صاحب الرأي المختلف أكثر تمسكاً برأيه... لأنه غالباً لا يخرج منها أبداً على رجلين.

راودني أمل أن يكون لكثرة الاحتكاك بالمجتمعات الديمقراطية، وكثرة البعثات الدراسية، وسيادة وسائل الإعلام المختلفة وتبدّل القيادات بأخرى متعلمة على مستويات أعلى من سابقاتها في دول تؤمن بالحرية في التعبير، دور في تغيير الواقع، ولكن ما في النفوس ما كان ليتغير.