حرب تجارية مستعرة

 

فايزة الكلبانية

منذ أن أشعلت الولايات المتحدة الأمريكية فتيل الحرب التجارية مع الصين ثاني أكبر اقتصاد في العالم، والأنظار تترقب تداعيات هذه الحرب وتأثيراتها المباشرة وغير المباشرة على الاقتصاد، ورغم الصدمة التي حدثت مع إعلان الرئيس الأمريكي دونالد ترامب وضع شركة هواوي الصينية على القائمة السوادء، إلا أنّ الجميع كان يتوقع أنّ ثمّة خطوة أمريكية ستوجه نحو واحدة من الشركات الصينية الكبرى، وكان الدور هذه المرة على شركة هواوي.

ولا شك أنّ الحرب التجارية تمثل تهديدًا خطيرًا للنظام الاقتصادي العالمي، وتنذر بعواقب وخيمة تضر مختلف الاقتصادات؛ المتقدمة والناشئة والنامية، وتنعكس بالسلب على النمو الاقتصادي العالمي. ومن المؤكد أنّ الخطوة الأخيرة التي اتخذتها الحكومة الأمريكية ضد العملاق الصيني "هواوي" غير مرتبطة بجوانب تكنولوجية أو مستندة إلى مزاعم الملكية الفكرية كما كانت تدعي واشنطن دائما ضد المنتجات الصينية، بل إنها محاولة لفرض مزيد من النفوذ الأمريكي في الأسواق والاقتصادات، ومسعى غير محمود من جانب الإدارة الأمريكية كي تضعف من قوة شركة هواوي التي تحتل المركز الثاني عالميا من حيث مبيعات الهواتف النقالة الذكية، وأيضا ستقوم بتركيب تقنيات الجيل الخامس في المملكة المتحدة، ومبيعاتها ربما ستفوق مبيعات هواتف "أبل" الأمريكية، وهنا مربط الفرس. فالحكومة الأمريكية التي صدعت الرؤوس بأن الصين تقدم دعما حكوميا لشركات القطاع الخاص ما يخل بمبادئ المنافسة كما تزعم، إلا أنها- أي الحكومة الأمريكية- تتخذ إجراءات علنية لدعم الشركات، وما حدث في أعقاب الازمة المالية العالمية وازمة الرهن العقاري في أمريكا عام 2008 ليس ببعيد عما نقول، فقد قررت الحكومة الأمريكية في ذلك الوقت توجيه الدعم النقدي للبنوك العملاقة التي تعرضت للانهيار، وذلك من أجل حماية الاقتصاد الأمريكي، لكن نظرا لأن الولايات المتحدة تجد في نفسها قوة عظمى فتعتقد أنّها قادرة على التحكم في العالم، وتحريك الاقتصادات بحسب مصالحها.

الصين من جانبها، قررت الرد على أمريكا بطريقتها الخاصة، وأكدت أنّها لن تقف مكتوفة الأيدي أمام محاولات أمريكا لضرب الاقتصاد الصيني، ولننظر فيما قاله رن تشنغ مؤسس شركة هواوي بعد القرارات الأمريكية: "لا يمكن للولايات المتحدة الامريكية سحق شركتنا.. لا يمكن لهم تركنا لأننا الاكثر تطورا حتى لو اقنعوا المزيد من الدول بعدم التعامل معنا بصورة مؤقتة، يمكننا دائما تخفيض الاسعار نوعا ما"، وهذا التصريح يؤكد أن الصين لن تخضع للابتزاز الأمريكي والعدوان الاقتصادي عليها، بل إنّها سترد بما قد يفاجئ الجميع حول العالم. رن تشنغ قال أيضًا في تصريحات أخرى: "إذا انطفأت الأضواء في الغرب، فإنّ الشرق سيستمر مضاءً، وإذا ساد الظلام في الشمال، فالجنوب ما زال باقيا، أمريكا لا تمثل العالم، بل هي جزء من العالم".

وبالتوازي مع ما يحدث للصين من جانب أمريكا، نجد أيضًا واشنطن تسعى لإعادة فرض سيطرتها على مقدرات الخليج، من خلال الإيحاء والزعم بأنّ حربا ستندلع في المنطقة وأنّها مستعدة لحماية حلفائها في المنطقة، في محاولة لاعادة انتشار قواتها في الموانئ الخليجية واستنزاف الثروات على صفقات السلاح والعتاد، بدلا من مشاريع التنمية والتطوير التي تحقق رفاهية المواطن الخليجي.

ولذلك فإنّ دول الخليج مطالبة في خضم هذه الأحداث والمتغيرات بأن تعيد النظر في سياساتها العسكرية والأمنية والاقتصادية، وأن تكف عن خلق فزاعة لتحقيق أهداف لن تعود بالفائدة على مسيرة التنمية، بل ستفاقم من سوء الأوضاع وستتسبب في إرباك المشهد بصورة أسوأ مما هي عليه، فقد انتهت فزاعة "داعش" والدور الآن على فزاعة إقليمية أخرى بزعم أنّها تهدد استقرار دول الخليج، رغم أنّ ما يهدد استقرار دول الخليج هي عسكرة المنطقة وتطبيق السياسات غير الرشيدة التي تنفذها بعد الدول وتضر بالدول الأخرى غير المنخرطة والتي ترفع شعار عدم التدخل في شؤون الدول، والتي تؤمن أيضا بأن العالم أكثر أمانا في وجود أقطاب متعددة وليس القطب الواحد.. فمتى نعتبر ونطلق شارة البداية نحو تنمية مستدامة ونحقق وحدة حقيقية وليس مجرد اجتماعات دورية وقمم لا تقدم ولا تؤخر.