رفقا بالقطاع الخاص

 

خلفان الطوقي

 

منذ النصف الثاني من عام ٢٠١٤م، ووضع السلطنة الاقتصادي يُعاني حاله حال بقية دول الخليج العربية، والسبب بكل بساطة النزول الحاد والمُستمر في أسعار النفط حتى وصلت إلى حوالي 23 دولاراً أمريكياً لكل برميل نفط في يناير ٢٠١٦م، هنا توالت البيانات الحكومية التصحيحية والتقشفية لتبعث برسالة واضحة، ومضمون هذه الرسالة أنَّ الحل لا يكمن في يد الحكومة فقط، وإنما يجب أن يُشاركها الحل شريكها وهو القطاع الخاص، ويتضح ذلك جلياً في معظم البيانات الصادرة من وزارة المالية في الفترات بين ٢٠١٤ إلى ٢٠١٨م.

المتتبع للكثير من القرارات خلال الأعوام القليلة الماضية يرى أنَّ الحكومة تقول للقطاع الخاص: أنتم من عليكم التوظيف وحسب المزايا التي وضعناها وبعض النظر عن حجم أو ربحية أو صلابة مؤسستك التجارية، وأنتم من عليكم أن تدفعوا العجز المالي لموازنة الدولة من خلال رفع الرسوم المحصلة والضرائب والأتاوات لبعض القطاعات، وأنتم من عليه أن يتحمل تبعات الأزمة الاقتصادية من خسارة أو انكماش أو انهيار دون تدخلنا، وأنتم من عليكم أن تُعالجوا مديونيتكم مع البنوك التجارية وجهات الاقتراض وتعيدوا هيكلتها وتتحملوا فوارق نسبة الفائدة إن استحدثت، وأنتم من عليه أن يسعى ويصبر ويُصابر المعاناة مهما كانت في إنهاء مُعاملاته المُرتبطة بالجهات الحكومية دون شكوى إلا لله جلَّ جلاله، وأنتم من عليكم أن تفكروا وتبتكروا وتأتوا بالحلول التي تتوافق مع تشريعات وأهداف الحكومة ولا تحيدوا عنها قيد أنملة وتنفذوا كل القرارات بحذافيرها وأكثر، وأنتم من عليه أن ينتظر طويلاً المبالغ المستحقة للأعمال التي نفذت للحكومة، لكن بالمُقابل فأنتم محاسبون أمام الجهات القضائية والعمالية إن تأخرتم في دفع رواتب موظفيكم.

ربما هناك من يرى أنَّ ما كتب أعلاه نوع من المبالغة، وهناك من يرى أنَّ هناك الكثير مما لم يذكر من مُعاناة مؤسسات القطاع الخاص في هذا التوقيت بالذات، وللإنصاف فإنَّ ذلك حاصل للكثير من شركات القطاع الخاص إلا المحظوظ منها، وواقعية المقالة مستندة على أحداث كثيرة منها ما هو شخصي ومنها ما تسمعه أو تشاهده أو تلاحظه في المجالس الحقيقية أو المواقع الافتراضية من شكاوٍ مكررة ومتشابهة أو تعالي اللغة السلبية وانتشارها بصورة مقلقة.

موضوع الشراكة الحقيقية بين الحكومة والقطاع الخاص يحمل كثيرا من التناقضات، فإعلامياً سوف تجد يومياً هذه الكلمة مذكورة في أكثر من موقع بصورة أو بأخرى، أما واقعياً فإنَّ القطاع الخاص وفي هذا التوقيت بالذات، فإنَّ كل المسؤوليات والواجبات يجب أن تقع عليه وعليه فقط، فهل من المنصف أن نسمي هذه العلاقة أو الشراكة بأنها "حقيقية" أو "إستراتيجية".

إذا كانت الحكومة ترى أنَّ القطاع الخاص هو شريك أو منقذ أو داعم، فعليها أن تتعامل معه بأسلوب وعقلية مختلفة، وأن تكون هذه العقلية والثقافة منتشرة من أكبر مسؤول حكومي إلى أصغر موظف، عقلية تمتاز بإيجاد الحلول والاستماع إليهم وطرح ممكنات "Enablers" تمكنهم من الاستمرار في العمل التجاري، ثقافة جديدة تعي أن تمكين واستمرارية مؤسسة تجارية واحدة يعني خلق عدة فرص ودعم لعائلة تتكون من عدة أفراد تساهم في الحركة الاقتصادية والتجارية، وأن إغلاق هذه المؤسسة يعني زيادة الباحثين عن العمل وظهور مشاكل اجتماعية جديدة لهذه الأسرة، ولك أن تقيس هذا المثال على عدد أكبر ومدى زيادة الأعباء اجتماعيا وأمنيا على الدولة. هذا التوقيت بالذات يحتاج لفرق عمل "Taskforces" والنزول ميدانياً وحل أي معوقات والتوصل إلى حلول توافقية بين الحكومة والقطاع الخاص هدفها دعم المؤسسة التجارية حتى لا تغلق، وتقنع المستثمر (المحلي والخارجي) أن يستمر في عمله، وألا يحول ما تبقى من رأس ماله إلى ودائع بنكية أو سندات أو أسهم في أسواق عالمية. هذا التوقيت الحساس لا يحتاج القطاع الخاص فيه إلى مزيد من مُمارسة السلطة الضبطية في بعض الإجراءات التي يُمكن تجاوزها والتي لا تحدث ضررا جوهرياً بقدر ما يحتاج إلى عقليات وثقافة "تضبط" الأمور وتتعامل معه بمبدأ الدعم والتوجيه والأخذ بيده برفق إلى أن يتجاوز الجميع هذه الفترة العصيبة، ولن يكون ذلك ممكناً إلا بتغيير العقليات والتعامل معهم حسب المتغيرات والظروف الحالية، وتبني فكرا جديدا في كل الجهات الحكومية الخدمية وشعارا حقيقيا بعنوان "رفقا بالقطاع الخاص" واستوصوا به خيرا كثيرا بدءًا من التوظيف الذي وصل إلى نهاية ديسمبر ٢٠١٨م، حوالي 245 ألف شاب وشابة من العمانيين وانتهاء إلى دعم ميزانية الدولة من الضرائب والرسوم والأتاوات والدعم المجتمعي بكافة صوره.