"فورين بوليسي": أمريكا لم تعد القوة العظمى في العالم

ترجمة- رنا عبدالحكيم

أكد تقرير لمجلة فورين بوليسي الأمريكية أن السياسات الأمريكية الحالية تحت قيادة الرئيس دونالد ترامب تدفع "أعداء" واشنطن إلى الاتحاد في مواجهتها، مشيرا إلى التقارب الصيني الروسي، واحتمالية انضمام إيران إليهما في ظل تصاعد الضغوط على نظام الحكم في طهران.

ويظهر التقرير قناعات النخب الأمريكية بأن الولايات المتحدة لم تعد القوة العظمى في العالم، وأن سياسة "القطب الواحد" باتت من الماضي. وطرح التقرير عدة أسئلة حول: ما مدى قوة الولايات المتحدة؟ وهل ما زالت القوة الوحيدة في العالم القادرة على فرض إرادتها على الخصوم والحلفاء والمحايدين وإجبارهم، ولو على مضض، على مواكبة السياسات التي يعتقدون أنها حمقاء أو خطرة أو تتعارض مع مصالحهم؟ أم أن ثمة حدود واضحة لنفوذ الولايات المتحدة ما يوحي بأنها ينبغي أن تتبنى سياسات أكثر انتقائية واستراتيجية لتحديد الأهداف ومتابعتها؟

وقال التقرير إن إدارة ترامب تبنت نظرية "القطب الواحد"، خاصة منذ أن تولى جون بولتون منصب مستشار الأمن القومي في البيت الأبيض وأصبح مايك بومببو وزيرا للخارجية. وكان فوز ترامب ووصول هؤلاء الأشخاص إلى تلك المناصب بمثابة عودة إلى النهج الأحادي الجانب الذي اتبعه جورج دبيلو بوش في فترته الرئاسية الأولى، فقد سيطر نائب الرئيس ديك تشيني والمحافظون الجدد على مقاليد الأمور آنذاك. وشهدت تلك الفترة افتراضا بأن الولايات المتحدة قوية للغاية، أنها يمكنها التصرف بمفردها في العديد من القضايا وأنه يمكن إخضاع الدول الأخرى لما ترغب فيه الولايات المتحدة. ونقل الصحفي رون سوسكيند عن كارول روف أحد مستشاري بوش قوله: "نحن إمبراطورية الآن، وعندما نتصرف فإننا نخلق واقعنا الخاص". وعلى نفس المنوال ذكر تشيني حديثا مشابها عام 2003 عندما قال "نحن لا نتفاوض مع الشر، نحن نهزمه".

والآن إدارة ترامب لا تزال على نفس خطى إدارة بوش، فصفات الغطرسة لا تنفصل عنها، ومن الواضح أن ترامب يسلك نفس الطريق، فهو تارة يهدد وتارة في بعض الحالات يبدأ فعليا في تنفيذ قرارات مثل الدخول في حروب تجارية ليس فقط مع الصين، لكن مع العديد من شركاء أمريكا الاقتصاديين. ووصفت المجلة ترامب بأنه "متهور" تخلى عن اتفاق "الشراكة عبر المحيط الهادئ" للتجارة الحرة، وانسحب من اتفاقية باريس للمناخ. وفي التعامل الدبلوماسي مع كوريا الشمالية وإيران، سار ترامب على مبدأ "خذها أو اتركها"، فتعلن واشنطن عن مطالب غير واقعية ثم تصعّد العقوبات على أمل أن تستسلم الأطراف الأخرى ومن ثم تمنح الولايات المتحدة كل ما تريد. وعلى الرغم من فشل هذا النهج تجاه البلدين مراراً وتكراراً في الماضي، إلا أن ترامب لازال مصمماً على التمادي فيه، وتجلى ذلك في قراره الأخير بفرض عقوبات إضافية على الدول التي لا تزال تشتري النفط الإيراني، وهي خطوة تهدد برفع أسعار النفط وإلحاق الضرر بالعلاقات الأمريكية مع الصين والهند وتركيا واليابان وكوريا الجنوبية وغيرها من الدول.

وعلى نفس النهج، طرح ترامب ما يسمى بـ"خطة السلام"، والتي وعد جاريد كوشنر كبير مستشاري ترامب وصهره، بالكشف عنها في غير مناسبة، وهو اقتراح من المحتمل أن يُسعد رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو وغيره من المقتنعين بفكرة "إسرائيل الكبرى" ، لكنهم لن يدفعوا قضية السلام قيد أنملة للأمام. ويمكن رؤية اقتناع أمريكا بأنها قادرة على إدارة شؤون العالم من خلال تدخلها في نتائج الانتخابات في فنزيلا ومطالبة واشنطن برحيل الرئيس الحالي نيكولاس مادورو.

وترى المجلة أن الافتراض الأساسي وراء كل هذه السياسات يتمثل في الاقتناع بأن الضغط الأمريكي سوف يجبر الخصوم في نهاية المطاف على الانصياع لمطالب الولايات المتحددة وأن الدول الأخرى لن تجد طرقا للتهرب أو عرقلة أو تحويل أو تخفيف أو إنكار ما تحاول واشنطن القيام به. واعتبر تقرير المجلة أن الولايات المتحدة لا تزال مقتنعة بأنها القوة الوحيدة في العالم، لكن التقرير يعود ويستدرك بأنه إذا كانت الولايات المتحدة قوية بالفعل فإن فرض عقوبات على الصين بسبب مشترياتها من النفط الإيراني لن يكون له أي تأثير على المحادثات التجارية الجارية الآن مع بكين، كما لن ترد تركيا على الضغوط الأمريكية بسبب تقاربها مع روسيا.

وعلى الرغم من أخطاء هذه الإدارة بقيادة ترامب- يقول التقرير- إلا أن الولايات المتحدة كدولة قوية للغاية، ولا تزال الدول الأخرى تطلب مساعدتها، ومسألة وجود عداوات أمر لا يمكن لأى دولة أن تتجاهله. وستظل الولايات المتحدة أضخم سوق في العالم، والدولار هو عملة الاحتياط الرئيسية عالميا.

وعلى الجانب الأخر فهناك أسباب أكثر فاعلية وراء عدم نجاح سياسات التنمر كسياسة خارجية حتى الآن، ومن غير المرجح أن تنجح مستقبلا أيضاً؛ فالدول الأضعف كثيراً ما ترفض الخضوع للابتزاز لأنه بمجرد الرضوخ لن يكون هناك نهاية للمطالب المتلاحقة. علاوة على ذلك، الولايات المتحدة كثيراً ما تصر على الاستسلام الكامل للمطالب، مثل دعوتها إلى نزع الأسلحة النووية لكوريا الشمالية أو تغيير النظام في إيران، فهي تمنح الدول المستهدفة أسباباً لعدم الامتثال لمثل هذه المطالب. ونظراً لعدم مصداقية ترامب وتقلبه الديبلوماسي فلماذا يضع أي زعيم أجنبي ثقته في أي ضمانات يقدمها ترامب أو إدارته؟! يتساءل التقرير، واصفا مثل هذه المواقف بأنها "اللا صفقة".

ينطبق الأمر ذاته على إيران، فقد تعمدت إدارة ترامب إفشال الاتفاق النووي الإيراني، وفعلت ذلك على مرأى من الجميع، رغم أن إيران استمرت في الإلتزام ببنود الإتفاقية بعد الانسحاب الأمريكي منها. ويرى التقرير أن صبر إيران لن يصمد طويلا، لا سيما عندما أوضحت الإدارة الأمريكية أن هدفها الحقيقي في إيران تغيير النظام هناك. وإذا استانفت إيران برنامجها للأسلحة النووية، والذي ظل معلقاً منذ أكثر من عشر سنوات، فإن دول العالم لن تصطف وراء الولايات المتحدة لأنهم يعلمون أنها من دمرت الصفقة وليس إيران، ومما لا شك فيه أن نشوب حرب بين الولايات المتحدة وإيران، أمر يعود بالنفع على حلفاء أمريكا في الشرق الأوسط، لأن واشنطن ستخوض هذه الحرب بالنيابة عنهم.

لكن التقرير تحدث عن عدد من دول العالم تسعى جاهدة في الوقت الراهن إلى عدم اتباع السياسات الأمريكية، خاصة وأنها تتم بصورة تنم عن احتقار لمصالح هذه الدول، وهو ما دفع بعض الدول إلى تطوير حلول مصممة للحد من النفوذ الأمريكي، وعلى الأخص فيما يتعلق بالحصول على قروض مالية، من خلال الاقتراض من شبكة المؤسسات النقدية التي تستخدمها واشنطن لإجبار الحلفاء والخصوم على الإذعان لها.

ويختتم التقرير بالإشارة إلى ما تشهده العلاقات الصينية الروسية من تقارب يهدد مصالح الولايات المتحدة، واحتمال أن تنضم إيران إليهما، معتبرة أن رد الفعل الأمريكي لن يتجاوز وقتها تصريحات على لسان بولتون يصف فيها هذه الدول بأنها "محور الشر" أو "تحالف الفوضى".

تعليق عبر الفيس بوك