السودان: زهور في زمن الغاز المُسيل للدموع

...
...
...
...
...
...
...

 

الرؤية محمد علي العوض

وكما يطل "الحب في زمن الكوليرا" تشرق في أزمان الحروب والعنف وشرور بني الإنسان إمارات الحب أيضا؛ لتهب الناس الأمل وتصنع مشاهد أشبه برواية روسية تحكي عن حبّ في زمن الحرب بين شابين في سهوب كازاخستان..

الناشطة والشاعرة السودانية "إيماض بدوي" ببحثها الدائب عن كوة نور وسط الظلام حاولت أن تجعل ما سبق واقعا متحققا، وتزرع وسط الجحيم زهرة حين حوّلت أعيرة الرصاص وفارغ علب الغاز المُسيل للدموع إلى أدوات جمالية.

إيماض التي شاركت في تظاهرات ثورة ديسمبر منذ أيامها الأولى تقول إنّها في موكب يوم 25 ديسمبر بالخرطوم وبينما كان الرصاص ينهمر من حولها كالمطر والجميع يسعل ويُغمى عليه جراء الغاز المسيل للدموع كان قلبها يرحل بعيدا نحو أسرتها الصغيرة فتذكرت حديث طفلها في الليلة الماضية حول أنّه ولد في عهد "البشير" وأنّه لا يريد أن يكبر في ظل هكذا عهد.. وتضيف أيماض أنّها تذكرت أنّ غدًا سيكون عيد ميلاده، وتساءلت: لِمَ لا تحيل هذه اللحظة العصيبة إلى لحظة جمالية فتلتقط علبة غاز فارغة وتجعلها آنية للزهور التي يحبها ابنها وتهديها له في عيده؟

وبالفعل رجعت إيماض آخر اليوم وهي تحمل علبة غاز فارغة خطت عليها بيدها تاريخ ومكان الالتقاط كنوع من التوثيق للثورة السودانية.

بعد تحويل علبة الغاز إلى "زهرية" نشرت إيماض الصور على مواقع التواصل الاجتماعي؛ فوجدت اللقطة قبولاً وتفاعلا كبيرا من المتابعين لدرجة أنّهم كانوا يرسلون لها فارغ الرصاص وعلب الغاز لتقوم هي بدورها بتحويلها إلى حاملات أقلام وعلاقات مفاتيح ومنافض سجاير وزهريات صغيرة أرادت من خلالها إرسال رسائل للجميع بأنّهم قادرون على صنع الجمال وسط مناخات الموت، بعكس الطغاة وأصحاب العنف الذين لا يستطيعون رؤية الجمال حين يعميهم الظلم.. فمن يك ذا فم مر مريض يجد مرا به الماء الزلالا.

 

تعليق عبر الفيس بوك