ومضات فكريّة من كتابات حاتم الطائي (60)

 

 

العلاقة بين الاستشراف والتقدم:

-تنهضُ الأمم وفق عناصر نجاح لا يختلف عليها اثنان؛ أهمها: القدرة على استشراف المُستقبل، وتوظيفها لخدمة الأهداف التنموية والتطويرية على المديين المُتوسط وطويل الأجل.

 

-استشراف المُستقبل يدفع الحضارات إلى الأمام، بناءً على مُعطيات العلم وقواعد التخطيط السليم والأسس الصحيحة لاتخاذ القرار.

 

- "علم المستقبليات" أو الاستشراف يشير إلى أسس منطقية تقوم على الافتراضات والتجربة، ومن ثمَّ وضع الحل الذي يُمكن أن يُعزز من أدائنا وقدرتنا على مواجهة المتغيرات.

 

مفهوم الاستشراف وعلم المستقبليات:

-الدراسات المستقبلية ليست تنجيما أو تنبوتءًا بالغيب، بل تَحسُّبا فطِنًا للمواقف والتحديات التي نمر بها في مُختلف المجالات الاقتصادية والاجتماعية والسياسية وغيرها، وبعد ذلك وضع الفرضيات العقلانية في التعامل مع تلك المواقف والتحديات، عبر صياغة سيناريوهات تُحاكي تلك الاحتمالات التي افترضناها وتسعى جاهدة لتقليل حجم المخاطر وتعظيم الفوائد والمنافع، وفي النهاية الوصول لبر الأمان، من خلال تحقيق الأهداف التي وضعت هذه السيناريوهات من أجلها.

 

-الاستشراف عملية تكاملية، تعتمد على قراءة واعية للماضي تستخلص العِبر والدروس وتستمد منه الحافز والدافع نحو مُواصلة التطوير والتحديث، وكذلك رؤية عميقة للحاضر تستفيد من التطورات المتلاحقة وتضمن نجاعة التفكير المُستقبلي، من خلال التخطيط الإستراتيجي القائم على منهجية مستقبلية واضحة المعالم والأهداف.

 

 

محاور الاستشراف أو علم المستقبليات:

-بناء جهود الرصد والتحليل للمُعطيات القائمة في الوقت الحاضر مع الاستفادة من التجارب التاريخية التي تحققت في الماضي، وهذا العمل الرصدي يجب أن يتم وفق أسس منهجية تأخذ بأحدث أساليب العلم والتكنولوجيا، وتوظف الطاقات الإبداعية للكوادر الوطنية في شتى المجالات.

 

-توقع الأحداث، من خلال أدوات القياس والاستقراء المستند إلى وسائل المنطق والتفكير العقلاني، بناءً على ما تمَّ جمعه من مُعطيات في المحور الأول وهو الرصد، وعملية التوقع هذه تحقق النجاح المأمول منها إذا ما أُخذ بعين الاعتبار الدقة في قراءة الأحداث بعينٍ فاحصةٍ دون تهوين أو تهويل.

 

-طرح الحلول العملية القادرة على تجاوز التحديات والتعاطي مع الإشكاليات، بل وأيضاً تنفيذ الخُطط الرامية لتطوير العمل وتجويد الأداء.

 

رؤية 2040 تجسيد للفكر الاستشرافي

تستفيد من الماضي عبر تفادي الحلول التي تمَّ وضعها من قبل ولم تحقق الأهداف المأمولة والمُتوقعة، لكنها في الوقت نفسه تطرح البدائل الكفيلة بالوصول إلى ما نسعى إليه من تقدم ونمو. كما أنها تبني التوجهات المستقبلية وفق افتراضات طموحة، فوضعت محاور أساسية هي: الإنسان والمجتمع، وتستهدف وضع رؤى وخطط تضمن تحقيق رفاهية هذا الإنسان بناءً على ما يتم إنجازه من نمو اقتصادي، بجانب المُحافظة على هوية المجتمع، دون أن يتأثر بالعوامل الخارجية التي تُهدد تماسكه أو أفكاره وقيمه الأصيلة. بينما يقوم المحور الثاني من هذه الرؤية على الاقتصاد والتنمية، عبر خطط التنويع الاقتصادي وتمكين القطاع الخاص وتنفيذ مشروعات التنمية. أما المحور الأخير من هذه الرؤية فيتمثل في الحوكمة والأداء المؤسسي، بما يضمن وجود مؤسسات تحتكم إلى سيادة القانون، وتحقق الاتقان والجودة في العمل، وفق معايير شفافة ونزيهة.

 

أربـــــــع وصــايــا:

-أن نعمل بكل جدٍ واجتهاد، ولا نتحجج بعدم القدرة على التنفيذ، أو أنَّ المعوقات عديدة، ولا نتذرع بأننا لا نملك الإمكانيات أو لا نستطيع، فالإرادة الإنسانية هي الموجهة والمُنفذة للخطط والاستراتيجيات وليس النقيض من ذلك.

 

-الجهود الاستشرافية للمُستقبل لن يُكتب لها النجاح ما لم تتعاطَ مع أصغر المُشكلات على أنَّها تحدٍ مُستقبلي يجب الاستعداد له ووضع الحلول لتفاديه، فمعظم النار من مستصغر الشرر، وهذا ليس تشاؤماً أو افتراضًا لوقوع السيئ، بل تجنباً لأي تهوين للتحديات.

 

قضايا الاستشراف وتحديات التفكير المستقبلي ينبغي أن تحتل الصدارة في الذهنية المجتمعية، على المستوى المؤسسي في الدولة، من وزارات وهيئات وكيانات إدارية وتنفيذية بمختلف درجاتها، وكذلك على مستوى الأفراد، وأخص منهم المفكرين وأصحاب الرأي والكلمة، والعلماء، والخبراء والمتخصصين كلٌ في مجاله.

 

ألا نكتفي بالقدر اليسير من الفكر الاستشرافي عبر وضع رؤى وتصورات عامة لا تمسك بتلابيب القضايا الحياتية التي نواجهها، وتغوص في تفاصيل الإشكاليات والتحديات اليومية التي يتعين علينا مجابهتها.

تعليق عبر الفيس بوك