الوطن أمانة

آمال الهرماسي

عِند ذِكر الوَطن، تتعثَّر الأقلام هيبة، وتقف الأنفاس وقارا، وتتضارب الأحاسيس رهبة، ويستيقظ الضمير تحديا، وتموت المصالح تضحية، وتندثر الأنا ليعلو الوفاء وينتصر الحب ويعيش هو!! لا حياة بدونه ولا شرف بمساسه، ولا عنى بفقره ولا ارتفاع على حسابه.

مثل الدين والحب، وأسمى معاني الحياة، الوطن قدسية إن تخللها ضعف أو شك لا تستقيم ولا تعلو بل، ولاتكون، كلنا راع وكلنا مسؤول عن رعيته، الوالدان يتحملان عقوق أبنائهما إما سوء تربية أو اختبار صبرهما، العامل مسؤول عن عمله، إما نتيجة لاختياراته أو مهام كُلف بها، والمسؤول مُحَاسب على من هم دونه في سلم إدارته، ولا عُذر له في تلاهيهم وعدم أداء أماناتهم إن كان غفلة فتلك مصيبة، وإن كان جهلا فتلك مصيبة أعظم.

وها هُو قلمِي يمتصُّ حبره السائل ويخشى هدره لمن لا يسمع ولا يَعي، ويلك! فما كنت ولن تكون، إلا لتنطق حقا!! او لتنكسر وتداس وترمى في غياهب الجب المعتم ظلما وخيانة ووحشة ونسيانا، ولستُ أرك إلا شامخا بقول الحق، ناصعا بدحض الظلام، راقيا بعدل اللفظ، مُصرًّا على إعلاء الحقيقة دون استرضاء لمُترصد يوجعه ضميره، إن كان ذا ضمير، كارهًا رفع أغشية الظلام وهو الذي لا يعِي للنور مكانًا، فاهدر ما شئت من سواد حبرك إن كان لذاك السواد أن يغشى بياض الحق ونوره وإشعاعه، فيزيده توهُّجا وتفنى أنت دونه.

تتساءل: ماذا يفيد النحيب على الموتى؟ وماذا يجدي رثاء الراحلين؟ وهل يعيد الدمع والأسى خطوات الراحلين؟ وأقول كلا، كله هباء منثور، لكنَّ الموعظة باقية، لمن شاء أن يتعظ، وسقوط الأقنعة درسٌ لمن تخوله نفسه بإخفاء ملامحه البشعة، فلابد يوما أن تنكشف، والسوء باق ما بقى بنو البشر، فلتكن ممن رحمهم المولى، وعرفوا بشاعة السوء وتنحوا عنه، والشر كائن تخفيه جميل الملابس وزيف الابتسامات وكاذب الوعود ووهن العهود، ولكن الخير غَالب، والحقُّ يعلو ولو بعد حين؛ فلا تطمئن يا ابن آدم لنصر زائف وشهرة مؤقتة ومزيفة، وأياد مصفقة بعضها حسرة وغيرها نفاقا فما ذلك إلا أصوات شياطينك توهمك بمُلك لا يفنى وعز لا يزول ومنصب لن يدوم، وهل دام لغيرك؟ فانظر وتبصَّر وانتبه!

لا شك أن العقل البشري مُذهل ومُحيِّر ومُعقَّد في آن واحد، ولهذا العقل الفضل الكبير لما نحن نشهده اليوم من ثورات تكنولوجية وتطور وتقدم، ولكن بقدر قوى الخير فإنَّ الشر مستوطن منذ بداية البشرية ونزول آدم على وجه البقيعة. ومن باب العلم بالشيء والتدبر والموعظة، دعونا نتأمَّل بعضَ من وظَّفوا قدراتهم الخارقة في النصب والاحتيال من أجل مصالحهم الشخصية والمادية.

كما لا يفوتنا أن نذكُر أكبر عملية اختلاس في إيران، حسب ما ذكرته صحيفة المرصد، تحت عنوان "فضيحة بـ38 مليار دولار.. الكشف عن أكبر عملية اختلاس في تاريخ إيران". وذكرت تقارير إخبارية أنَّ امرأة تدعى مرجان شيخ الإسلامي زورت العديد من بطاقات الهوية لما يزيد على 20 بلدا حول العالم، ومن ثم استطاعت الهروب من إيران، وما لبثت أن تحولت إلى أشهر تاجر عقارات في كندا وبريطانيا، وذلك بفضل ما تتمتع به من علاقات بشخصيات سياسية نافذة، تمارس عمليات غسيل الأموال عبر الأسواق الدولية.

خلاصة القول.. إنَّ هناك الكثير ممن خوَّلت لهم أنفسهم التلاعب بعقول الآخرين والاستيلاء على أموال الغير، فأصبحوا بعدها عِبرة لمن أراد أن يرتدع، فقوى الشر لابد لها من إذعان، ونوايا السوء لابد لها من انكشاف، وقوة الظلم لابد لها من هَوان. ويبقى الوطن حبًّا وولاءً تسقط عنده المصلحة، وتنتهي أمامه الأطماع، وترتفعُ دونه الأقلام، فإما عيش بكرامةٍ وإما مَوت بشرف، فلا عاش في وطني من خانه، ولا عاش من ليس من جنده، ولا سُؤدد بعده، ولا كرامة دونه.

عهدٌ على قلمي، ألا ألجم جَماحه إن كانت قطرات دَمي تسري حبًّا وتفانيا من أجل هذا الوطن، الذي احتضنَ وأعطى، وحباني بكريم العيش، وشرف الوجود وأنفة الكرامة.

حفظ الله عُمان من شرِّ الأشرار، وكيد الكائدين، فأبناؤها المخلصون على عهد ووعد للقائد المفدى، فلا خيَّب الله لك ظنا بهم، ولا أوجعك غدرُ الزمان فيهم يوما.. حفظك الله سيدي ومولاي يدًا بيضاء ونيَّة سليمة وقلبا عطوفا ومعلما ملهما، نستذكر أقواله وأفعاله، ونتخذها نهجا وسبيلا في حياتنا ومهامنا، ما كُنا وما سنكون.