لقد تجرأوا على المال العام!

 

د. سيف بن ناصر المعمري

نُتابع بصمت ما يجري من الجرأة التي أظهرها البعضُ على المال العام؛ ونتساءل من أين جاءتهم هذه الشجاعة في النيل من حق هؤلاء المواطنين الصالحين الذين لم يتوانوا في دعم موازنة بلدهم في هذه الظروف الاقتصادية، وعدوا ذلك واجباً وشرفاً وطنياً يجب أن يتنافسوا عليه دون شكوى أو تذمر، فضحوا بترقياتهم وما تمنحهم إياه من فسحة مالية يدعمون بها استقرار أبنائهم، ودفعوا شأنهم شأن غيرهم كلفة الإجراءات الاقتصادية لكي تظل بلدهم عُمان شامخة مستقرة اقتصاديًا.

وفي الوقت الذي كان هؤلاء المخلصين يقدمون هذه التضحيات كانت هناك فئة ضالة تتآمر للنيل من قدسية هذا المال العام، وتُخطط لنيل ما لا تستحق منه، يتآمرون في الظلام ليلا ونهارا وقد أنيطت بهم إدارة مؤسسات وطنية تحمل مهام جسيمة؛ فتركوا هذه المهام الوطنية حين سال لعابهم أمام الأموال الوطنية؛ وتفرغوا من مسؤولياتهم الوظيفية للقيام بمسؤولياتهم اللاأخلاقية التي لا نقبلها في هذه البلاد الطاهرة، ونبرأ إلى الله من هكذا أفعال، لأننا نعيش في بلد طيبة لا تُريد أن تلوثها هذه الشرذمة القليلة التي فقدت صوابها وأعماها حب المال وعبادته عن قدسية الوطن. ونتساءل أليس لهذا المُسلسل المشين من التجرؤ على المال العام من نهاية؟ وما يزيد من ألمنا هو الشجاعة والجرأة التي تظهرها هذه الفئة في القيام بهذا الفعل المُشين وهم في قمة هرم المُؤسسات الحكومية التي ينبغي أن تُقدم القدوة والمثال في الحرص على المال العام وصيانته والحفاظ عليه، وصرفه وفق القوانين المُحددة له؟ لماذا تقدم بعض هذه المؤسسات وقياداتها المثال السيئ للنَّاس وتظهر نفسها خارج دائرة الوطنية والمسؤولية، وبعد ذلك تأتي لوعظ الناس عن الوطنية وهي تنتهكها كل يوم، والثمن هو ليس استقرار البلد الاقتصادي فقط بل سمعتها التي تُؤثر عليها على مُختلف الأصعدة، ونعيد طرح السؤال لماذا يتجرأون على المال العام؟ ولماذا يستبيحونه دون وجه حق؟

في الواقع نقف أمام هذه الأسئلة، ولا نجد أي إجابات تشفي ألمنا؛ لأنَّ هذه الفئات الضالة لا تتجرأ إلا إذا وجدت ما يُشجعها للقيام بذلك؛ وعلينا أن نُراجع ونبحث في هذه المُحفزات التي يأتي في مُقدمتها المرونة التي يتم التعامل بها مع هذه الحالات من الفساد المالي، والتستر الذي يحظى به هؤلاء الذين يقترفون مثل هذه الأعمال المشينة واللاوطنية، وسوء الاختيار الذي يقود أحياناً إلى وضع أفراد لا يتمتعون بسجل من الكفاءة والنزاهة والإخلاص في أماكن قيادية حساسة، ناهيك عن العمل الذي يقوم به هؤلاء في بناء قبيلة إدارية تدين بالولاء للمصلحة لا للمؤسسة التي تتخبط ويتساءل النَّاس أين إنجازها وأين تقدمها في إستراتيجياتها وخططها، ولا يدركون أن المؤتمنين عليها منشغلون عن مسؤولياتهم إلى مصالحهم فكيف نُحقق التنمية ونصنع التغيير ونلحق بالإستراتيجيات المستقبلية، وبالثورة الصناعية الرابعة، كيف ننوع الاقتصاد، ونُعيد فتح الفرص المُغلقة لشبابنا؟ كيف نستغل أموالنا العامة أفضل استغلال؟ كيف نحافظ على صرفها؟ كيف نتقشف لكي نوفر بدلاً من أن نتقشف لكي نسرق أو نهدر؟

إننا نقف أمام لحظات تاريخية يتفاقم فيها التجرؤ على المال العام، وكأن هؤلاء يعتقدون أنَّ هذه البلد لا توجد فيها سلطة قادرة على لجمهم وإعادتهم إلى رشدهم، يتصرفون وكأنهم سلطة فوق السلطة، وألا قانون سوف يطالهم، ولا موقف شعبيا سوف يُحاصر أفعالهم، يستغلون البلد في أصعب الفترات الاقتصادية التي تمر عليها بئس ما يفكرون به، وتبت أيديهم التي ينالون بها من هذا الوطن الذي وهبه الله دعوات نبيه الصالحة تحفه وتسيجه على مر الأزمان ووهبه قائدًا وقف في المنبر يوم الجمعة في أواخر السبعينات يُحذر هذه الفئات الضالة من النيل من الوطن وخيراته دون وجه حق، ومن تجرأ على وطنه وسلطانه لابد أن ينال ما يوازي تلك الجرأة ذلك ما يجمع عليه الجميع ولا يمكن أن يجادلهم فيه أحد.

لابد من وقفة أمام مسلسل النيل من المال العام غير المُعلن، هذه الوقفة مسألة مصيرية يتحمل الجميع مسؤوليتها بتطوير القوانين والأجهزة الرقابية والشفافية في الإعلان وتداول المعلومات، وأيضاً إعادة النظر في بنية الإدارة وتشكيلها والمدة التي يمكن أن يترك فيها البعض حتى لا يتمكن من تشكيل قبيلة إدارية هدامة داخل المؤسسة أيضًا جانب لابد من مُراجعته، كانت الإدارة العثمانية حريصة على قصر هذه المدة رغم ما أثير من سلبيات حولها إلا أنَّها ضرورة لدينا أثبتت الأمثلة لدينا أنه كلما طال مكوث المسؤولين في أماكن القيادة العليا كلما زاد التفاتهم نحو مصالحهم وكثرة أخطائهم وقلَّ تنفيذهم لأهداف مؤسساتهم الوطنية، وبالتالي لابد من تقييم واقع مؤسساتها ومدة مكوثها ونوعية الأفراد الذين يوجدون في أماكن اتخاذ القرار العليا، هل هم مع المصلحة الوطنية أم مع الشيطان ومصالحهم الخاصة؟ وكذلك مراجعة طريقة صرف هذه المؤسسات لموازناتها وتحديد جوانب الهدر والفساد المالي ونشر هذه التقارير بشفافية حتى يتهيب الذين ازدادت جرأتهم على الدولة الدولة وإلا سوف تتزايد هذه الفئة وتتكاثر ولا سبيل لكفها عن غيها لأنهم سيعتقدون أن لن يقدر عليهم أحد وهذا الاعتقاد هو سبب رئيسي لكل الحالات المعلنة وغير المعلنة التي تجري حولها التحقيقات في التجني على المال العام..

حفظ الله عمان من كيد الكائدين ومن طمع الطامعين.