أمي.. مُلهمتي!

مدرين المكتوميّة

 

ليس هناك من شخص أعظم في حياتي سوى أمي، وما من مخلوق في هذه البسيطة يحب لي الخير أكثر من أمي، فالأم هي العالم الذي نعيش فيه حتى نبلغ أشدنا، وإذا ما وصلنا للرشد تظل الأم هي المصباح المضيء والبوصلة التي توجهنا نحو الأمان والاستقرار.

أقول ذلك والعالم يستعد للاحتفال بيوم الأم الذي يوافق الحادي والعشرين من مارس من كل عام، والكثيرون يستعدون لشراء الهدايا لتقديمها لأمهاتهم، وآخرون يحتفلون مع أمهاتهم بمختلف الصور.

إنني عندما أكتب في أي قضية، اعتمد على عقلي وما أفكر فيه بصورة عملية، ربما أكتب دون أن أشعر وأكتب دون أن تختلط مشاعري بكل كلمة أو حرف أكتبه، لكن عندما أكتب لمن أحب فإنني بالطبع أكتب بلغة ملؤها المحبة والنقاء وبمشاعر مختلطة بكل تفاصيل العلاقة، كلماتي تمتزج مع كل اللحظات والساعات والأيام التي تربطني بمن أحب، تختلط مشاعري مع ذكريات السنين التي أخذت من أعمارنا، مشاعر حقيقية لا تعرف المجاملات أو الاصطناع، مشاعر لسنا مُجبرين عليها تحت شعارات واهنة قد تعكس الضعف والإذعان لآخرين يسعون لاستغلال عواطفنا ومشاعرنا لتحقيق مكاسب مؤقتة، غالبا ما تتبخر إذا ما تحققت مكاسبهم.. لكن عندما أعبر عن مشاعر الحب لأمي، فإنني أفصح عن مكنوناتي الداخلية للإنسانة الأولى في حياتي، للقلب الكبير الذي يحتضنني كل لحظة، كل موقف، تؤازرني في مشكلاتي وتضع لي الحلول، وتناقشني في أخطائي وتصحح لي المسار.

الحب الذي تمنحنا الأم إيّاه وتربينا عليه يختلف كليا عن الحب الذي نشعر به مع الآخرين، حب الأم دواء لكل داء، حب الأم هو علاج للحظات ضعفنا الإنساني، ودعم نفسي غير محدود في الفرح والحزن، في كل أوقاتنا. الأم تمنحنا حبها حتى قبل أن نأتي إلى هذه الحياة، تغدق علينا بمشاعرها الدافئة ونحن أجنة في بطون أمهاتنا، إنّها الحب الأزلي، الحب الذي يخلو من المصالح، حب فطري يعطي ولا يأخذ، يقدم ولا ينتظر ردا، حب يطبطب على قلوبنا، حب يدعو لنا ليل نهار بأن يوفقنا الله لكل الخير. أمي هي الحبيب الأوحد الذي لا يشكو لحبيبه أي ضرر، وهي التي لا تمل من سماع مشكلات أبنائها، هي الحضن والملاذ والملجأ.

غدا نحتفل بيوم الأم، وانتهز هذه المناسبة السنوية، كي أتمنى لكل أم في العالم العمر المديد والصحة والعافية، أدعو لكل أم أن تواصل إلهام أبنائها ومنحهم الطاقة كل صباح، تبعث فيهم الإيجابيات وتنزع عن صدورهم السلبيات، أدعو لكل أم أن يعينها الله على تحمل مصاعب لا يستطيع أي رجل تحملها، هي من تتحمل ألم الحمل والوضع والتربية والتوجيه، هي التي ينتابها القلق الشديد إذا ما تأخر أحد من أبنائها عن موعد عودته المعتاد، هي التي تصاب بالهلع إذا ما تعرض أحد أبنائها أيضا لأي إصابة مهما كانت بسيطة، هي التي تشعر بأبنائها بمشاعر لا يملكها سواها.

والمرأة تملك مشاعر الأمومة منذ نعومة أظافرها، فوجود المرأة في أي منزل يضفي لمسة من البهجة والسعادة والفرحة، لا أحد يعلم سر ذلك، لكنّه السحر الأنثوي، الذي يغمر الجميع داخل البيت الواحد، فالمرأة هي الأم الحنون، والأخت الطيبة، والابنة المدللة، والجدة الحكيمة، هي كل معنى من معاني الجمال والخير والسعادة.

جميعنا قرأ أو سمع المقولة الشهيرة "خلف كل رجل عظيم.. امرأة"، هذه حقيقة صادقة، لا تقبل الشك لديّ، انظروا إلى نساء العالم قديما وحديثا، في القصص الدينية أو حتى الأساطير وحكايات الصغار، المرأة هي المُحفز على النجاح، والداعم الأول لأصحاب الإنجازات. من التي كانت سببا في نجاة نبي الله موسى من بطش فرعون، ورغتبه الدموية في قتل الصغار؟ ألم تكن أم موسى هي التي استقبلت الأمر الإلهي "فألقيه في اليم"؟! من التي كُلفت بالبحث عن موسى الرضيع؟ ألم تكن أخته؟ "وقالت لأخته قصيه".. ومن التي اعتنت بموسى داخل قصر فرعون؟ إنّها زوجة فرعون نفسها، تلك المرأة الوحيدة التي آمنت بموسى.

الأمثلة على تميز المرأة لا حصر لها، وربما أحتاج إلى مئات المقالات إن لم يكن الآلاف كي أعبر عن بعض الجوانب المضيئة والمميزة للمرأة، فما بالنا بالأم، والكتابة عن الأم؟!

أقول لأمي: شكرا لكِ من أعماق قلبي لأنكِ كنت سببا في أن آتي إلى هذه الحياة، شكرا على ما قدمتيه لي ولإخوتي من تضحيات وصبر، شكرا لأنكِ كنت- ولا تزالين- الداعم الأول لي.. أسأل الله العلي القدير أن يحفظ عليك نعمة الصحة والعافية، وأن يطيل في عمرك، ويرزقك السعادة..

كلمة شكر أيضًا أوجهها لكل أم في يومها، على ما تبذله وتقدمه من عطاءات ليس فقط لأبنائها، بل للمجتمع بأكمله، فـ"الأم مدرسة إذا أعددتها أعددت شعبا طيب الأعراق".