الرصيف الأمريكي

 

 

مدرين المكتومية

 

 

في الوقت الذي يتضور فيه أهالي غزة جوعًا ويموت الأطفال نتيجة سوء التغذية؛ بل وانعدامها، وبينما تستهدف قوات الاحتلال الإسرائيلي المُجرمة قوافل المساعدات وتُعرقل دخولها من المعابر البرية، والتي تعد المنفذ الأسهل والطبيعي للمساعدات، تفاجئنا الإدارة الأمريكية بإعلان اعتزامها بناء رصيف بحري على شاطئ غزة، ليعمل كميناء مؤقت يُسهّل- حسب زعمهم- إيصال المساعدات إلى القطاع المُدمّر.

المُدهش في الإعلان الأمريكي أنه يأتي تزامنًا مع عدم التوصل إلى أي اتفاق لوقف إطلاق النار أو حتى سريان هدنة مؤقتة خلال شهر رمضان المبارك، كما إن الإدارة الأمريكية بدلا من أن تضغط على الكيان الإسرائيلي لوقف عدوانه الهمجي البربري، تُعلن عن إجراء سيستغرق- حسبما أعلنت- أكثر من شهرين لبنائه!

الرصيف الأمريكي المزمع ليس سوى محاولة عبثية من أمريكا- الداعم الأكبر للكيان الإسرائيلي المجرم- من أجل مساعدة نتنياهو على إطالة أمد الحرب، ومواصلة جرائم الإبادة الجماعية بحق الشعب الفلسطيني الصامد في وجه أعنف حرب ضد سكان مدنيين عُزَّل. ومما يثير السخرية والغضب في الوقت نفسه، أن أمريكا التي تزوّد إسرائيل بالسلاح والمال منذ اللحظة الأولى، وأمريكا التي أكدت أنها لن تتخلى يومًا عن هذا الكيان المُجرم، تُقدِّم نفسها الآن على أنها الحمل الوديع الذي يسعى لإيصال المساعدات إلى الشعب الفلسطيني، بينما الحل الأسهل يتمثل في الضغط على الاحتلال لوقف هذه الحرب المجنونة، وعدم عرقلة دخول المساعدات عبر المنافذ البرية، خاصة إذا علمنا أن قطاع غزة له 7 معابر برية، يُمكن من خلالها إدخال المساعدات، غير أن الاحتلال الإسرائيلي المجرم يمارس حرب تجويع ويستخدم سلاح المساعدات من أجل مواصلة جريمة الإبادة الجماعية في غزة.

أمريكا هي المسؤول الأول عن جرائم إسرائيل بحق الشعب الفلسطيني، لأنها هي التي تزوّده بالسلاح والعتاد والمال، وهي التي تستخدم "الفيتو" ضد أي مشروع قرار في مجلس الأمن يطالب بوقف الحرب، وهي التي تتقاعس عن الضغط على إسرائيل لدفع مفاوضات الهدنة إلى الأمام والتوصل إلى اتفاق يقضي بوقف إطلاق النار. ومن العجب العجاب أن نجد الإدارة الأمريكية مستعدة لإنفاق أكثر من 35 مليون دولار لإنشاء هذا الرصيف البحري، بينما يسعى بعض أعضاء هذه الإدارة لوقف تمويل منظمة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين "الأونروا"، في تناقض صارخ يدفعنا للتساؤل حول الجدوى والهدف الحقيقي من هذا الرصيف.

إننا دائمًا نشعر بالريبة والشك تجاه أي قرار أمريكي يبدو في ظاهره أنه لمساعدة الشعب الفلسطيني، لأن الإدارة الأمريكية لم تقدم يومًا أي دعم حقيقي لهذا الشعب الذي يُعاني مرارة الحياة منذ أكثر من 7 عقود، وهذه الإدارة هي السبب الرئيس في تدهور وانهيار أوضاع الشعب الفلسطيني. لذلك التفسيرات التي نقرأها هنا وهناك ونسمعها على لسان مُحللين فلسطينيين يحذرون فيها من عواقب إنشاء هذا الرصيف البحري، جديرة بالتفكير، خاصة أن البعض يرى أن هذا الرصيف أو الميناء المؤقت ربما يكون ذريعة لتحريض سكان غزة على الفرار من القطاع، ونشوء موجات هجرة إلى أوروبا. وموضوع تهجير الفلسطينيين في غزة مطروح بقوة على مائدة حكومة الاحتلال المُجرمة، وكان المقترح أن يتم تهجير أهالي غزة إلى سيناء المصرية، ثم تهجير أهالي الضفة الغربية إلى الضفة الشرقية في الأردن، ومن ثم تصفية القضية الفلسطينية بالكامل وسيطرة الاحتلال الإسرائيلي المجرم على كامل أراضي فلسطين التاريخية.

المُخططات الشيطانية لا تتوقف، والمؤمرات ديدنُ إسرائيل المُجرمة ومن ورائها أمريكا والغرب، ولا شك أن هناك العديد من المحاولات الخبيثة التي يجري الإعداد لها لتصفية القضية الفلسطينية، وهو ما يستدعي حتمية بناء صف عربي وإسلامي ودولي مُوحّد لمناهضة أي مسعى لتصفية قضية فلسطين، وكفى صمتًا وخذلانًا لغزة وأهلها.

وأخيرًا.. إن الإدارة الأمريكية لن تكون رسول سلام لأهل غزة، ولذلك يجب الضغط من أجل إفشال مُخطط الميناء المؤقت، وفي المقابل السماح بدخول أعداد لا محدودة من شاحنات الإغاثة دون شرط أو قيد، ودون عمليات تفتيش مُبالغ فيها تتسبب في عرقلة دخول المساعدات، والنتيجة أن الأطفال يموتون، والنَّاس تتضور جوعًا..

*****

بمناسبة شهر رمضان المبارك، أناشد الجميع بالتبرع لصالح الهيئات والمؤسسات والجمعيات المُعتمدة لإيصال المساعدات لإخواننا في غزة، وهذا أقل ما يُمكن أن نقوم به.