مدرين المكتومية
ثوابت السياسة الخارجية لسلطنة عُمان يعلمها القاصي والداني، وتمثل المنطلق الأخلاقي والقيمي الذي تمضي من خلاله دبلوماسيتنا الرصينة في مجالات العمل الدولي والإقليمي على مختلف الصُعُد، لذلك استحقت عُمان عن جدارة وصفها بأنها أرض السلام والتعايش والوئام.
ولقد مثّل اللقاء الحصري لمعالي السيد بدر بن حمد البوسعيدي وزير الخارجية، مع شبكة "سي إن إن" الإخبارية الأمريكية، عبر البرنامج الشهير للإعلامية بيكي أندرسون، تبيانًا لا تُخطئه عين، بشأن السياسة الخارجية لسلطنة عُمان، لا سيما فيما يتعلق بقضية الساعة: العدوان على غزة. إذ تحدث معاليه بكل ثقة عن رسالة عُمان إلى العالم ألا وهي رسالة السلام، وأبرز بذات الثقة والأريحية الموقف العماني من القضية الفلسطينية، وهو موقف نبيل يعكس سمو الرؤية العُمانية لهذه المعضلة، وتجلّى ذلك أكثر مع تأكيد دعوة سلطنة عُمان لعقد مؤتمر دولي للسلام في فلسطين، يكون المنطلق نحو حل الدولتين وفق مقررات الشرعية الدولية وقرارات الأمم المتحدة ومجلس الأمن، وكذلك المبادرة العربية للسلام. وفنّد معاليه إمكانية نجاح هذا المؤتمر بالإشارة إلى ما أحرزته الولايات المتحدة من نجاح في تسعينيات القرن الماضي عندما تمكنت من عقد اتفاقيات أوسلو بين فلسطين وإسرائيل، بوساطة أمريكية، وهو الأمر ذاته الذي يمكن تحقيقه الآن إذا ما توافرت الإرادة لدى الإدارة الأمريكية، خاصة وأن المنطقة لم تعد تتحمل هذه الحرب، وأن إحلال السلام هو الحل الذي لا مفر منه.
تأكيدات وزير الخارجية العُماني على أهمية السلام عبر أكبر منصة إعلامية غربية، تعكس الرؤية العُمانية الأصيلة في إحلال السلام والاستقرار في الشرق الأوسط والعالم. ومما أثار إعجابي الشخصي بتفرُّد الدبلوماسية العُمانية في مقترحاتها ودعواتها للسلام، ما طرحه معالي السيد الوزير بضرروة تقديم تعويضات لأسر الشهداء الأبرياء الذين فقدوا أرواح أحبابهم في هذه الحرب، فالحصيلة حتى الآن تتجاوز 31 ألف شهيد، فضلًا عن عشرات الآلاف من المصابين والمفقودين، ومنهم من يُعاني من إصابات مستديمة وبتر في القدم أو اليدين، وكلها مآسٍ تستوجب جبرها عبر آلية تعويض دولية تضمن عودة الحقوق لأصحابها.
هذا الطرح العُماني لا ينفصل أبدًا عن الإدانة الشديدة للاحتلال الإسرائيلي على ما يرتكبه من انتهاك متواصل للقانون الدولي واستخدام الاحتلال المُجرم لسلاح التجويع ضد أهالي غزة، وهي مسألة تتنافى مع كل القيم الإنسانية، وعدم وقف هذه الحرب يعني حرمان أبناء غزة من أبسط حقوق العيش.
لقد ارتكب الإسرائيليون جرائم فظيعة في حق أهالي غزة وهي جرائم لا يمكن السكوت عنها، ولا بُد من أن تكون هناك مواقف واضحة ضد الحرب خاصة وأنها أخذت الكثير مما أخذته ولم تترك لأبناء غزة سوى الدمار.
إننا عندما نرى موقف عُمان من القضية الفلسطينة خاصة، ومن الحروب عامة، نُدرك أن عُمان منذ البدايات الأولى ومواقفها لم تتغير؛ بل إنها لا زالت مُتمسكة بمواقفها الصلبة النابعة من الثوابت الوطنية، وفق رؤية عُمانية خالصة، تجاه ما يحدث في المنطقة والعالم من حولنا. ولطالما كانت عُمان واحة السلام والأمان التي يلجأ لها العالم لحل المعضلات، فإن المواقف المُشرِّفة لوطني عُمان، تبعث برسالة واضحة مفادها أننا نرفض الحروب ونرفض العنف بأي صورة كانت، وندعو دائمًا للسلام والوئام والتعايش بين الشعوب.
وختامًا.. إنَّ السياسة الخارجية لعُمان ستظل لؤلؤة مضيئة في سماء الدبلوماسية العالمية، بفضل ما تتحلى به من مواقف إنسانية داعمة للسلام في ربوع العالم، وستظل مسقط قبلة للباحثين عن السلام والاستقرار والعيش الآمن في هذا العالم المُضطرب.. فتحية إجلال وتقدير للدبلوماسية العُمانية ولجميع القائمين عليها بكل إخلاص وتفانٍ.