"تحريف التاريخ والمعالم 1-2"

طالب المقبالي

يتعرض تاريخنا وحضارتنا يومياً إلى انتهاكات وتغييرات وتحريفات بقصد أو بغير قصد.

أما الذي يتغير بقصد فالغاية معروفة ومفهومة وهو طمس تاريخ عُمان الضارب في القدم والممتد منذ آلاف السنين.

أما بغير قصد فهذا ينم عن جهل وسوء اطلاع وجهل في تقدير أهمية التراث والتاريخ والحضارة.

لقد تعرضت كثير من معالم ولاياتنا إلى الهدم والاندثار، وأعني هنا القلاع والحصون والأبراج والمساجد ومدارس تحفيظ القرآن الكريم والأسواق وغيرها من المعالم الشاهدة على حضارة وعراقة هذه البلاد من مسندم إلى ظفار.

ولعلي في مقالي هذا سأقف على بعض الشواهد من ولاية الرستاق كوني على اطلاع على بعض المعالم كيف كانت وكيف أصبحت، ويكفي أن أتطرق إلى معالم كانت قائمة حتى ثمانينات وربما إلى تسعينات القرن الماضي قد طالتها معاول الهدم، أو اندثرت من عوامل الطبيعة والتعرية في ظل عدم الاهتمام بها وصيانتها.

وهنا لا أريد أن أتذكر تلك المعاول التي انقضَّت على سوق الرستاق الذي يعتبر جزءًا من تاريخها العريق، فما زال الأهالي يتداولون الصور القديمة للسوق لاستحضار تلك الشواهد من تاريخ هذا السوق، مستذكرين مكانته في نسج جزء من تاريخ هذه الولاية العريقة وتاريخ عُمان بأسرها، فاستحضار النكبات مؤلم، وما حلَّ بسوق الرستاق نكبة كان من الأجدر أن يحاسب عليها من ارتكب هذه الجريمة.

ولعل من أبرز هذه المعالم التي كادت أن تختفي معالمها نهائياً "حصن الأبرق" الذي يقع في منطقة عيني بولاية الرستاق جنوب عين الكسفة، حيث لم يذكر أحد من كبار السن عنه شيئاً لقدمه، كما لم أعثر على كتابات تخص هذا الحصن.

أما حصن الحوقين فما زالت معالمه قائمة، إلا أنها تندثر يوماً بعد يوم في ظل غياب اهتمام الجهات المعنية بالاعتناء به وترميمه.

كذلك برج المزارعة بعلاية الرستاق، وبرج الصايغي على طريق الرستاق ـ الحوقين، كذلك حصن جماء، وحصن المزاحيط وأبراجها، وبرج الوشيل، وحصون وأبراج في قرية نزوح وقرية مري، وأبراج عديدة في وادي الحيملي ووادي الحاجر ووادي بني هني ووادي بني عوف لا أستطيع حصرها في هذه الأسطر القليلة.

ففي ولاية الرستاق مئات القلاع الحصون، بعضها اختفى تماماً ولا يوجد له أثر. ونحمد الله تعالى أن هناك بعض القلاع والحصون تم ترميمها بالفعل وأصبحت معالم وواجهة تاريخية للولاية، كقلعة الرستاق التاريخية التي رممت أكثر من مرة وعلى فترات مُتعاقبة، كذلك حصن الحزم الذي تم الاهتمام به أكثر من قلعة الرستاق، وأصبح واجهة تستقطب العديد من الزوار، وأصبح يستغل لإقامة المعارض والفعاليات، كذلك حصن المنصور الذي رمم، إلا أنه لم يروج له كثيراً، وأجزم أن هناك العديد من أبناء الرستاق نفسها لا يعرفون عنه شيئاً، وقد استنتجت ذلك من خلال إحدى مجموعات الواتساب الذي تساءل فيه البعض عن موقع هذا الحصن!.

هذا فيما يتعلق بالمعالم والآثار التي ما زال بعضها صامداً حتى يومنا هذا، وهناك جانب آخر مهم يتعلق بتحريف التاريخ والمعالم من خلال تغيير مُسميات قديمة لها أصول تاريخية وقصص لو دونت لما استوعبتها الأوراق، وهذا ناتج عن جهل أو تجاهل لقيمة ومعاني هذه المعالم وأسباب تسمياتها.

وقد استعنت ببعض المؤرخين والرواة المعاصرين الذين يتداولون الحديث في هذا الجانب وأذكر منهم الكاتب المؤرخ والمشارك في التاريخ الشفوي للبلاد الأستاذ حمدان بن سيف بن سعيد الضوياني، الذي طالما حدثني عن قصص تسميات بعض الأحياء والمساجد، ويحثني على الكتابة عنها، وسوف أتطرق إليها في الجزء الثاني من هذا المقال بإذن الله.