قطار مسقط صلالة.. مستقبل التنمية

علي بن حبيب اللواتي

إن الطريق المؤدي لمحافظة ظفار (جنة الخير)، رغم التطوير الكبير فيه، لا يزال يشهد حوادث مأساوية تؤدي إلى فقدان أرواح بريئة، خاصة في الجزء غير المزدوج المُمتد قرابة 400 كم.

وفيما تبذل الدولة جهودًا مستمرة لتوسعة الطرق وتطويرها وتقنين السرعة وتركيب الرادارات الثابتة والمتحركة، تظل الحاجة قائمة لحلول جذرية وآمنة وعصرية. ومن هنا تبرز فكرة مشروع "القطار الرابط بين مسقط وصلالة" كخيار وطني إستراتيجي.

وهناك عدة فوائد يمكن جنيها من مشروع القطار الذي سيربط بين مسقط وصلالة منها تفادي مخاطر حوادث السيارات والحافلات الناتجة بسبب التعب والإرهاق نتيجة السفر الطويل أو أخطاء السيارات الأخرى سواء كانت رحلات فردية أم جماعية أو حتى التهور أحياناً، خاصة في موسم الخريف الذي يستقطب السياح من الدول المجاورة الشقيقة ومن دول العالم.

كما سيعمل القطار على توفير خدمة نقل الركاب والبضائع معًا براحة وسرعة، وكذلك سيتيح نقل المركبات والبضائع بين مسقط وصلالة، وسيسهم ذلك في خفض تكاليف الشحن والنقل التجاري. هذا فضلا عن توفير فرص كبيرة لتشغيل الشباب العماني في الخدمات اللوجستية مثل بيع التذاكر، وتقديم خدمات الضيافة للمسافرين، وخدمات الأمن والسلامة. وأعمال صيانة القطارات والتقنيات المرتبطة بها. وتوفير خدمات الإمدادات، المطاعم والمقاهي، سيارات الأجرة والنقل من المحطات وإليها.

وسيحفز المشروع المدن الواقعة على جانبي الطريق، فالقطار سيتوقف في محطات رئيسية بالمدن الرئيسية وكذلك بعض الولايات حسب مسار الطريق، مما يعزز الحركة التجارية والخدمية فيها، وأيضاً السياحة الداخلية لمُشاهدة بقية الولايات في الطريق إلى جنوب عمان.

ويمكن جني العديد من الفوائد الاستراتيجية لمشروع القطار، التي تتجاوز مجرد النقل لتشكل رافعة للتنمية الوطنية الشاملة. فمن أبرز هذه الفوائد تعزيز التكامل الوطني من خلال ربط شمال السلطنة بجنوبها، مما يسهم في ترسيخ اللحمة الوطنية، إضافة إلى تخفيف الضغط على الطرق العامة وتقليل الازدحام وتكاليف صيانة الطرق البرية. كما يوفر القطار جاهزية عالية للطوارئ والكوارث عبر إمكانية نقل الإمدادات أو المسافرين بسرعة وفعالية. ويُعد المشروع أيضًا محفزًا قويًا للاستثمار المحلي والإقليمي، حيث تنشط المدن والمحطات الواقعة على طول المسار من خلال استثمارات في قطاعات كالفنادق، والمستودعات، والخدمات، والمطاعم. كما يسهم القطار في زيادة إنتاجية الأفراد من خلال توفير الوقت وتقليل الإرهاق، فضلًا عن فتح آفاق لربط اقتصادي مستقبلي مع دول الخليج من خلال الارتباط بمشروع القطار الخليجي الموحد، بما يعزز التبادل التجاري والسياحي. وإضافة إلى ذلك، يُعد المشروع خطوة نحو تشغيل منظومة نقل حديثة ومستدامة، بفضل كونه وسيلة صديقة للبيئة تسهم في تقليل انبعاثات الكربون ودعم الاقتصاد منخفض الانبعاثات، إلى جانب دوره في دعم التوسع العمراني المستقبلي من خلال تشجيع نشأة مدن جديدة على طول مساراته. أما من حيث التمويل والتشغيل، فإن المشروع يمكن تنفيذه عبر نموذج الشراكة بين القطاعين العام والخاص (PPP) القائم على التصميم والتشغيل ثم النقل، حيث تتولى شركة عالمية مختصة تمويل وبناء وتشغيل المشروع لسنوات وفقًا للعقد، على أن يُسلّم للدولة لاحقًا مع استمرار خدمات الصيانة، مما يجنّب الميزانية العامة أعباء مالية مباشرة ويوفر لها دخلًا من العوائد التشغيلية خلال فترة الامتياز. وبذلك يتضح أن مشروع ربط مسقط بصلالة بالقطار ليس مجرد وسيلة نقل، بل هو مشروع وطني استراتيجي يدمج بين الأمان، والتنمية، والتشغيل، والاستثمار، والتكامل الوطني.

 

الأكثر قراءة