عُمان الصعب المحقق .. والسهل الممتنع!!

 

حمد بن سالم العلوي

تشتعل الحروب المُعلنة في الخليج والجزيرة العربية منذ أربع سنوات مضت، فمنها مشمولة بالعمليات العسكرية، والبعض الآخر مع وقف التنفيذ بالنسبة للعمل العسكري، ولكن عُمان بحمد الله ثم السياسة السلطانية العُمانية الحكيمة خارج هذه المعمعات اللا متناهية، حتى صارت عُمان أعجوبة الكون كله، وذلك لإظهارها قدرة غير طبيعية على النأي بنفسها عن كل التجاذبات التي تُحيط بها من كل حدب وصوب، وكأنها جزيرة هادئة وادعة بين بحور متلاطمة بأمواج الحروب والفتن، وذلك بفضل قيادة فذَّة حكيمة وشعب تميز برجاحة العقل، والحب والولاء لعُمان وجلالة السلطان قابوس المعظم - أدام الله عزه وأنعم عليه بالصحة والعافية والعمر المديد - فلا عجب في ذلك عندما يجتمع قائد وشعب يتحابان في طاعة لله على الخير والاطمئنان والمحبة والسلام.

لقد مرَّ بي مقطع فيديو من تلك التي يسوقها لنا "الواتساب" مذيعة تسأل رجل أعمال لبناني فتقول له: لو أردت أن تنشئ تجارة خارج لبنان فأي بلد ستختار؟ فقال لها: عُمان بدون تردد في الإجابة، فسألته لماذا عُمان؟ فقال لأنها بلد آمن ومُستقر، فقلت مُعلقاً في نفسي حفظ الله جلالة السلطان قابوس المعظم، الذي رسم سياسة تسير عليها السلطنة، فأصبحت اليوم مضرب المثل حول العالم في السكينة والاستقرار والهدوء والسلام، وأصبح النهج العُماني قدوة حسنة لمن أراد أن يعيش حياة طبيعية هانئة تخلو من المنغصات والشطحات إلى طبقات الفضاء المجهول، كما هو ديدن بعض العرب اليوم، حيث أضحى ذكر أسمائهم أشخاصا أو أسماء بلدانهم يثير الاشمئزاز والتقزز في النفوس.

لكن يا تُرى هل يغني دولة كعُمان السمعة الطيبة؟ والاستقرار والهدوء؟ ولكن اقتصادها قائم على مورد النفط المتذبذب؟! والاستمرار في إدارة اقتصادية متشنجة، تحكمها البيروقراطية الإدارية العقيمة، والتي تتحرك ببطء السلحفاة، فلو أتى ذلك التاجر الذي يحلم بالاستثمار في عُمان، فيا ترى ما هي أصناف وألوان العقد التي سيجدها في انتظاره؟ لتجعله يعود بخفي حنين في أول أسبوع؟ وما هي الصورة السلبية التي سيعود محملاً بها للآخرين؟ ليقول لهم ليس من سمع كمن رأى؟ وهل فعلاً أصبح جذب المستثمرين أمرا بالغ الصعوبة والخطورة؟! ولماذا نُعلن أمنيات فقط ولا ننفذها على أرض الواقع؟! فعلى سبيل المثال نقول "استثمر بسهولة" والأمر عكس ذلك، وهذا كلام يتندر به بعض المسؤولين في لقاءاتهم، وليس العامة وحدهم، إذن أين الخلل الذي يجعل الكل يشتكي من الكل، وكأننا نُطارد سراباً بعيد المنال؟!.

لماذا لا تُعيَّن جهة واحدة تتولى شأن الاستثمار؟! تحت مسمى "مركز الاستثمار العُماني" ويكون شخص رئيسه لديه صلاحيات كل الجهات المسؤولة في الدولة؟! فيكون تحت سلطته كل شيء يحتاجه المستثمر من تراخيص، ونظم تعمين ونظم تأشيرات، ومُدققين أمنيين، ومسؤولي جمارك، ومسؤولي بيئة، ومسؤولي بلديات، بمعنى أوضح أن يكون لكل جهة ممثل في نفس المركز، وأن يكون الرئيس هو صاحب القرار، وليس الجهات الأخرى وفي كل شيء اسمه استثمار، وحتى مواضيع الاستثمار في السياحة، وأن يرفد بمستشارين من كل الجهات المعنية، وأن يكون الرقيُّ بعُمان هو الهدف الكبير، وتظل تلك الجهات تقوم بالإشراف ومُراقبة الجودة، ورفع التقارير إلى رئيس المركز، ونسخة منها إلى أمانة مجلس الوزراء، وألا تكون تقاريرها بهدف تكسير المجاديف وزرع العقد المعطلة، وإلاّ سيُقال وكأنك يا أبا زيد ما غزيت، وربما وجد جهاز الدعم "تنفيذ" ضالته في هذا المركز.

وعُمان ليس عنصر الجذب فيها مجرد الأمن والاستقرار، وإن كان هذا مهم جداً بالنسبة لرجال الأعمال، ولكن عُمان تمتلك الموقع الجغرافي المتوسط بين الشرق والغرب، وهذا يمثل تميزا داعما أيضاً، وعُمان تمتلك بيئة جاذبة من حيث تنوع المناخ واختلاف التضاريس، وعُمان تمتلك ميزة خاصة في طبيعة الناس، فشعب عُمان شعب ودود مضياف يحترم الإنسان لإنسانيته، وذلك بغض النظر عن عرقه، وشكله ودينه أو مذهبه، والشعب العُماني شعب خدوم ووفيِّ وصادق مع الآخرين، وإن كان لا يخرج عن الطبيعة البشرية، ولكن الصفات الحسنة يمثلها السواد الأعظم من النَّاس.

كما لا ننسى أنَّ عُمان لا تزال بلدا بكرا، وبوسعها أن تتقبل الكثير من الأفكار الاستثمارية، وشعبها في مرحلة موران يحاول أن يتشكل ليكون مواكباً لكل مراحل التقدم الصناعي والإنتاجي، ويبحث عمن سيأخذ بيده في شق الطريق إلى المستقبل، خاصة وأنه قد ملّ كثرة الانتظار، حتى يجد من يأخذ بيده إلى التقدم والتطور، فإذا نحن سمحنا للمستثمر بالاستثمار بيسر حقيقة، وليس مجرد كلام وشعارات براقة، فإنَّ جيل الشباب سيجد ضالته في العمل بالتقليد، والاقتداء بالناجحين من رجال الأعمال اللامعين.

فهلّا تجرأنا على العقم الإداري ووأدناه، والعُقد المزمنة التي تؤخر ولا تُقدم شيئاً ومحوناها، أو ستظل الحيلة منعقدة "فقط" في ابتكار الرسوم والضرائب، ووضع جيب المواطن هدفاً لتغطية سوآت سوء الإدارة، وإن الالتزام بعدم الخروج عن المألوف المتكرر، أي الدوران في الدائرة المُغلقة التي ظللنا فيها منذ بداية النهضة إلى اليوم، وهو بسبب ضعف الجرأة والخوف من الإقدام، والاحتفاظ بالعقول المؤمنة بالتقليد المُمل، وعدم الخروج من التفكير داخل الصندوق، وكأن عُمان لم تلد غير هذا الجيل الذي أصبح معطلاً لانطلاقة التقدم والتطور، وعدم القدرة على مواكبة العصر، وليس كل شخص يتظاهر بالولاء، يعد الشخص المؤتمن على صنع التقدم، وهناك فارق كبير بين زمرة أصحاب الولاءات، وزمرة أهل الكفاءات، الذين بمقدورهم التحليق بعُمان عالياً.

ثم لماذا لا نُحاكي قصص تطور سنغافورة وماليزيا والبرازيل ورواندا، وأثيوبيا والصومال حاليًا، فهذه دول ناجحة وأخرى تسير في طريق النجاح، ألا يقولون إنَّ الناس على دين ملوكهم، فإذا صاحب الجلالة السلطان قابوس المُفدى، قاد عُمان بطريقة غير تقليدية فتقدم بها إلى مصاف الدول المُتقدمة خلال بضع عقود، ما لكم أيها المسؤولون تدورون في نفس المربع المغلق، فهناك بضع مسؤولين من بينكم عرفوا واجبهم وشقوا طريقهم، وذلك رغم كل المعوقات المحيطة بهم، وآخرون أصبح همهم ابتكار العقد والتعطيل، على الرغم من وجود هيكلة قيادية مشجعة، فهناك مجلس عُمان، وهناك جهاز الدولة للرقابة الإدارية والمالية، ثم أتبع كل هذا بجهاز الدعم "تنفيذ" وقد أتى الدكتور مهاتير محمد صاحب النهضة الماليزية، ونصب خيامه في عُمان حتى خرج بهذا الجهاز، ووقتذاك صور لنا كيف تم رسم تطور "عُمان" بالساعة، ومن يوم أغلق معرض الشرح للعامة في مركز المعارض قبل ثلاث سنوات مضت، لم نر شيئاً جديداً يلفت إليه الانتباه.