المنافقون هم المرجفون!

 

 

حمد بن سالم العلوي

من فضائل معركة "طوفان الأقصى" -التي وقعت في السابع من أكتوبر 2023م- أن أظهرت المنافقين والمرجفين على حقيقتهم؛ وذلك في خذلانهم لقضية فلسطين، لقد كانوا يتوارون عن البوح بما تُكِنُّه أنفسهم من خيانة للأمة؛ وذلك بالوقوف باطنيًّا مع الكيان الصهيوني، وظاهريًّا مع الحق ضد الباطل، ولكن جدية المعركة أبطلت تواريهم المريب هذا عن الحق؛ فلمَّا دفعتهم المقاومة الفلسطينية لكشف بواطنهم -وذلك بجرأتها على الصهاينة محل اعتزازهم بهم- وأظهرت لهم حقيقة هذا الكيان ووهنه، وأنه فعلاً أوهن من بيت العنكبوت، حتى أوقعتْ المنافقين في حرج شديد، فإمَّا أن يكونوا مع العروبة والحق، وإما ضد ما يُظهرون به للعلن، فاتَّضح أنهم هم الضد عينه، وغزوة طوفان الأقصى حقيقية وكاملة الأركان؛ وذلك بما حققت من أهداف كبيرة، لا تقوى عليها أعتى الجيوش العربية، وفي ظرف بضع ساعات، فقد تكللت بالنجاح الباهر، وكان التخطيط السليم سيد الموقف، والتنفيذ الدقيق عزف سيمفونية الشروق لغد جديد، فكسرت هيبة وسمعة العدو الصهيوني، وفأوجع ذلك الصهاينة العرب، وأصابهم هول كبير فيما حصل.

لقد كان الصهاينة العرب يُعِدُّون العدة لقبر القضية الفلسطينية، والتخلُّص منها وإلى الأبد، وذلك من أجل التماهي المريح مع هذا الكيان الصهيوني الغاصب، وقد علمنا يقيناً أن هؤلاء الصهاينة العربانيين، قد بدلوا دين الله بأدين أخرى؛ وذلك خلاف حكم الله الذي قال في محكم التنزيل: "إِنَّ الدِّينَ عِندَ اللَّهِ الْإِسْلَامُ وَمَا اخْتَلَفَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ إِلَّا مِن بَعْدِ مَا جَاءَهُمُ الْعِلْمُ بَغْيًا بَيْنَهُمْ وَمَن يَكْفُرْ بِآيَاتِ اللَّهِ فَإِنَّ اللَّهَ سَرِيعُ الْحِسَابِ" (آل عمران:19)، وقال تعالى أيضاً: "وَمَن يَبْتَغِ غَيْرَ الْإِسْلَامِ دِينًا فَلَن يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِي الْآخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِينَ" (آل عمران:85). إذن؛ هذا حكم الله في الذين بدلوا دينهم ولا مُعَقِّبَ على حكمه.

وها نحن اليوم نكتشف بفضل معركة "طوفان الأقصى"، أن الكثير من العرب قلوبهم مائلة مع اليهود أعداء الله ورسوله صلى الله عليه وسلم والمؤمنون، وهم أعداء للإسلام والمسلمين منذ أن نزل الإسلام على يدي سيد خلق الله محمد عليه افضل الصلاة والسلام، وهم أعداء لشرائع الله من قبل ذلك، وقد كادوا أن يقتلوا نبي الله محمد وذلك بدسِّ السُّم له في الطعام، كما قتلوا الكثير من الأنبياء والرسل من قبل؛ فالمسلم الحقيقي مأمور بمعاداة اليهود أبناء القردة والخنازير، ومحرم عليه موالاتهم لقوله تعالى: "يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَّخِذُوا الْيَهُودَ وَالنَّصَارَىٰ أَوْلِيَاءَ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ وَمَن يَتَوَلَّهُم مِّنكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ  إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ" (المائدة:51)، ويقول تعالى كذلك: "فَتَرَى الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِم مَّرَضٌ يُسَارِعُونَ فِيهِمْ يَقُولُونَ نَخْشَى أَن تُصِيبَنَا دَائِرَةٌ فَعَسَى اللَّهُ أَن يَأْتِيَ بِالْفَتْحِ أَوْ أَمْرٍ مِّنْ عِندِهِ فَيُصْبِحُوا عَلَى مَا أَسَرُّوا فِي أَنفُسِهِمْ نَادِمِينَ" (المائدة:52)؛ فهل من وضوح أكثر من هذه الأحكام في حق المنافقين.

لقد تغلغل الصهاينة في البلاد العربية، وكاد الجاسوس الصهيوني "إيلي كوهين"، الذي تقلد الكثير من المناصب الحزبية في سوريا، أن يُصبح رئيسًا للوزراء لولا أن كشفه الله بالتعاون بين المخابرات المصرية والسورية؛ وذلك في ريعان وعز العروبة وحكم الزعيم الخالد جمال عبدالناصر، ترى كم من إيلي كوهين قد تغلغل في ثنايا وطن العروبة حتى الآن، فهذه العروبة التي كنا نتغنَّى بها في كل معضلة وقعت على الأمة العربية، إلا أنَّ الصهاينة العرب يعملون اليوم على وأدها وقبرها حية، حتى لا يبقى لنا هناك من رابطة تجمع العرب على صعيد واحد، وتمنع تشظيهم وفتاتهم أكثر مما هو حاصل، ويوحد كلمتهم لنصرة بعضهم بعضاً.

إنَّ غزة اليوم تتعرض لإبادة جماعية، وذلك بالقتل المباشر بالطائرات والدبابات، أو بالجوع والعطش، وانعدام الدواء والعلاج، ولا تريد من العرب نجدة أو سلاحاً، ولكنَّ الغزاويين يريدون لقمة عيش يسدون بها رمقهم، لكي يظلوا على قيد الحياة، وهذه الملايين العربية تقف عاجزة عن القيام بالواجب الإنساني تجاههم؛ فإذا امرأة حبست هرة (قطة) وبُشِّرت بالنار، فكيف بمن يحبس ملايين البشر، ويجعلهم يموتون جوعاً، فأي نوع من العذاب تنتظرون أيها العرب، فلا تقولوا هذا ليس بأيدينا، فإذا قرأتم القرآن فإنه من المؤكد أنكم مَرَرتم بقصة ناقة نبي الله صالح عليه السلام، فإنَّ الذي عقر الناقة شخص واحد أو اثنين أو حتى ثلاثة، ولكن غضب الله حل على قوم ثمود جميعهم، ولم تبق لهم باقية، فهناك الذي صمت والذي شجع والذي لم يهتم، إذن كل هذه الأسباب كانت كافية حتى يغشاهم عذاب الله كافة، ونحن اليوم ينطبق علينا ما حصل لأولئك القوم.

وقد تجد بعض العرب يتساءلون بأسلوب الشماتة، قائلين: أين إيران عنكم يا أهل غزة؟! أليست هي من زوَّدكم بالمال والسلاح، وأغرتكم بالهجوم على إسرائيل؟! وهم يحاولون بهذا دق إسفين بين المقاومة وإيران، فإذا أنتم لم تستطيعوا أن تقدِّموا شيئاً للمقاومة لكي تتحرر من الذل والإهانة، والتعدي على الحقوق، والقتل والتنكيل بالشعب الفلسطيني، والأحكام الجائرة بمئات السنين على الأسرى، وسلب الأرض بالقوة والتهجير القسري للشعب الفلسطيني، وكل هذا العذاب ليس من يوم أو يومين أو شهور، وإنما على مدى 75 سنة مضت.

وأنتم أيها العرب ودَّعتم القضية الفلسطينية مع وفاة جمال عبد الناصر، فما الذي بقي أمام المقاومة إلا اللجوء لإيران التي اعتبرت تحرير القدس قضيتها المقدسة، أيغيظكم هذا؟! أم أنه يغيظ إسرائيل؟! فهل أصبحت حميتكم واحدة أنتم وإسرائيل؟! فلذلك غيَّرتم العداوة من إسرائيل عدوة الله ورسوله، إلى عداوتكم المتعاضدة مع إسرائيل ضد إيران البلد المسلم، ألم يخطر ببالكم قوله تعالى: "هَا أَنتُمْ هَؤُلَاءِ تُدْعَوْنَ لِتُنفِقُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَمِنكُم مَّن يَبْخَلُ وَمَن يَبْخَلْ فَإِنَّمَا يَبْخَلُ عَن نَّفْسِهِ وَاللَّهُ الْغَنِيُّ وَأَنتُمُ الْفُقَرَاءُ وَإِن تَتَوَلَّوْا يَسْتَبْدِلْ قَوْمًا غَيْرَكُمْ ثُمَّ لَا يَكُونُوا أَمْثَالَكُم" (محمد:38)؟ هل تعلمون كيف فسَّر رسول الله هذا الاستبدال؟! لقد فسَّر الاستبدال في هذه الآية الكريمة بالقول: إنَّ أولئك القوم هم أهل فارس، وأنهم هم الذين سيكونون بدلاً عنكم، أيها العرب المتخاذلون، وهذا الحديث موجود في كتب التفاسير، هذا إذا أحببتم تدارك هذه الأحاديث واستبدالها بإسرائيليات من صنع نتنياهو، لأنه أصبح قدوتكم في الشر والإجرام؛ لذلك بدأتم بتشويه سمعة الإيرانيين، وهذا لن يرد حكم الله فيكم.. وفيهم أبداً.

وإنَّما سيحل غضب الله على العاصين لشرعه ودينه، وسيذلكم على أيدي اليهود، وهم أرذل خلق الله بين البشر، وسيقود الفرس المقاومة حتى النصر وتحرير بيت المقدس، وهذا شرف لن يناله إلا من أتى الله بقلب سليم، ونفَّذ اشتراطات الآية الكريمة في الإنفاق والجهاد في سبيل لله، فأما أنتم فقد امتنعتم عن الإنفاق في سبيل لله، وبخلتم وتوليتم، وفعلتم عكس ذلك، فقد دعمتم الصهاينة وأنفقتم عليهم، وأغدقتم لهم بالعطاء في سبيل الشيطان الرجيم.

أما إيران، فإنها أنفقت وسلحت، وأرسلت خبراءها للتدريب على القتال، واستشهد منهم الكثير على طريق تحرير القدس، وإيران عندما يَحِين موعد الحرب الكبرى، فلن تتردد عن خوضها، ولكن الآن محور المقاومة لا يزال قادرًا على أن يدير الحرب، ويهزم العدو الصهيوني، فقط إذا أنتم تقفون على الحياد، وليس مطلوبًا منكم النصرة، وأن تسمحوا لهم فقط بالطعام والشراب والدواء.

فيا غثاء العرب ألا تستحون وقد خرجت شعوب العالم في مظاهرات يومية نصرة لفلسطين، وعلى مدى خمسة أشهر رغم التضييق من حكوماتهم المتصهينة، وهناك طياراً من الجيش الأمريكي يحرق نفسه أمام السفارة الإسرائيلية في أمريكا من أجل وقف الحرب في غزة، ولم يرف جفن لغثائنا العربي، هزلت والله القيادات العربية وبارت، إن لم نستطع مد اليد بلقمة عيش لإخواننا في غزة، أم أن العلمانية التي اعتنقتموها بدلاً من دين لله، قد أوهمتكم بأنه لا حساب عليكم، وأن الجنة والنار مجرد خدعة بهدف الاستقامة الطوعية، وأنتم بغنى عنها، طالما رضيت عنكم إسرائيل، حامية حماكم في الطريق إلى الدرك الأسفل من النار، ذلك كما توعدكم به رب العالمين.

فلا نقول إلا صبراً أهل غزة العزة إن النصر آت، وأنْ لا أحَدَ سيمُوت بغير تقدير من الله، وهم مكرمون بالشهادة والحياة الأبدية.. وإنه لجهاد نصر أو استشهاد.