دولة حديثة وأمير مُلهم

 

 

علي بن سالم كفيتان

من أين سأبدأ حديثي عن الإنجاز الذي حقَّقته دولة قطر بحصولها على كأس آسيا للأمم 2019، التي أقيمت على أرض الإمارات العربية المتحدة، أرض زايد الخير. في الحقيقة احترتُ لكثرة الأمور التي يجب عليَّ مُرَاعاتها وعدم الذهاب بعيدا في صياغة فرحي بهذا الإنجاز الكروي الكبير لدولة حديثة، يقودها أمير شاب ألهم شعبه حبَّ التميز؛ فقد كان الأمير تميم بن حمد الثاني أمير دولة قطر في الموعد بعيداً عن البروتوكولات، فحضر للمطار تعلوه الابتسامة الصادقة، وحرص على اصطحاب أبنائه الصغار إلى المنصة المعدة لتتويج الأبطال القادمين من صحار على متن الخطوط الجوية القطرية، هذه في حدِّ ذاتها رسالة عظيمة لكل من أراد التعرُّف على الشعوب الحية والقيادات النابضة بروح المجتمعات القادرة على صياغة طموحات أبنائها، وأخذها بعيداً إلى عنان السماء.

بعيدا عن التوظيف السياسي للرياضة، اتضح لنا كم هي الكرة مزعجة أحياناً، خاصةً إذا لم تُتقن التحكم بها؛ فهي تتبع الأقدام التي تجيد الركل، والعيون التي تقتنص الأهداف بدقة، والقلوب القوية التي لا تخاف المنافس، وهذا ما فعله العنابي في أبوظبي تماماً؛ فالمتابع للمباريات يكاد يُجزِم بأن هناك حلفًا بين أقدام القطريين وتلك الكرة العجيبة، فقد ركلوها فسجلوا الكمية الأكبر من الأهداف، فأمطروا الجميع بما يكفي من التصويبات التي لا تفارق المرمي، بل وتفننوا كذلك بأساليب الرمي؛ فمنها مباشر وصاروخي، ومنها خلفي كما فعل المعز علي هداف البطولة، الذي أربك الحارس الياباني، فجعله حائرا حزيناً في ذلك المساء الجميل، لقد ركض اليابانيون في كل اتجاه، ولكن دون جدوى، وأخذوا معهم ثلاثة أهداف جميلة كهدية إلى طوكيو التي لم يسبق لها أن خسرت نهائي في هذه البطولة القارية من قبل.

بحثتُ عن تفسير لولع العُمانيين باللون العنابي، وهتافهم من أجله شهراً كاملاً، سواء المتسمرين خلف الشاشات، أو الذين تجشَّموا عناء السفر، فقُلت شعبا محبا للكرة وهذا صحيح، لكن الدافع كان أكبر والتشجيع تخطى حب المستديرة، إلى حب الشعب القطري الأصيل، ومواقفه النبيلة والشجاعة، وقلت كذلك هو الانتماء للخليج الجريح، فالفرح قد يغير المواقف ويرسم الابتسامة، وأنا على يقين بأنَّ كافة شعوب الخليج كانوا يشجعون قطر، وعلى أثرهم الأمة العربية المتعطشة لأحداث مُفرِحة في ظل الانتكاسات والحروب، وتباين المواقف، وبعد فينة قلت الشعب العُماني لديه مخزُون من الحب والوفاء يكفي لكل شعوب الأمة؛ فجلالة السلطان -حفظه الله ورعاه- زرع لنا بذور الحب في كل الحقول، وهذا ما نجنيه اليوم وندركه بكامل حواسنا؛ فعقل السياسة العُمانية وصل إلى النقطة صفر من العداء للآخرين، وآمن بأنَّ كل القضايا مهما صعبت يمكن إعادة صياغتها، وإخراجها بالشكل الذي يرضِي جميع الأطراف ويحفظ كامل حقوقهم.

عندما شجَّع العُمانيون بكل حماس العنابي في مدرجات ملعب مدينة زايد الرياضية بالعاصمة الإماراتية الجميلة أبوظبي، جَبَروا خواطر الشعب القطري بأكمله، وأحسَّ الأبطال على أرضية الملعب أن هناك ما يكفي من الحناجر القادرة على الغناء لقطر؛ فكان التشجيع حماسيًّا وانصبَّ على جانب اللعب النظيف والممتع، الذي أتقنه أبناء الدوحة على المستطيل الأخضر؛ فكانت الأهداف تتحدث عن نفسها، والدفاع لم يتزعزع، فظلت شباكه نظيفة إلا من هدف وحيد خطفه اليابانيون، بعد أن أصيب قلب الدفاع خوخي، ولكن عفيف أصرَّ على مُناطحة أبطال السومو بالضربة القاضية، عندما سجل الهدف الثالث مُنهِيا المباراة ومُهدِيا الكأس الغالية للخليج قبل قطر.

ردَّ القطريون الجميل، فجابوا كل شبر في ملعب المباراة، حاملين علم السلطنة بيد والقطري باليد الأخرى، وربطوه جيداً في طرف الكأس، وأصروا أن تأتي الكأس الغالية أولاً إلى أرض السلطنة، فلملموا أمتعتهم على عجل، واستغلوا الحافلة التي أخذتهم إلى الشعب الأصيل، ومنذ خروجهم من الحدود ذبح العُمانيون للكأس الغالية ولأبطال قطر، فتحول الأسفلت إلى اللون العنابي.. فلكم منا كل التحية والتقدير يا شعب قطر، وألف مبروك الفوز بكأس آسيا أكبر قارات الدنيا وأكثرها بشراً، وعسى أنْ نحتفل معكم بكأس العالم بعد أربع سنوات في دوحة الخير والنماء.

---------------------------

روح رياضية:

زوجة السفير الياباني في الدوحة عزفتْ السلام الوطني لدولة قطر على البيانو داخل منزلها، وأرسلته كإهداء لشعب قطر بمناسبة الفوز بالكأس على حساب اليابان.. والفريق الياباني نظَّف غرفة الملابس جيداً داخل استاد مدينة زايد الرياضية، وكتبوا على سبورة الغرفة باللغة العربية... "شكراً لكم".