حلم تكامل التمكين "السيوقتصادي" للمرأة البحرينية

 

عبيدلي العبيدلي

احتضنت المنامة، وفي يوم واحد، فعاليتين متزامنتين، قد تبدوان للبعض أنهما متباعدتان، لكنهما متكاملتان: الأولى هي اللقاء التشاوري السنوي الذي يعقده صندوق إصلاح سوق العمل "تمكين"، والثانية، وكانت تحت رعاية جلالة الملك، وهي الاحتفالية السنوية التي يقيمها المجلس الأعلى للمراة، وحملت هذا العام شعار "المرأة في المجال التشريعي والعمل البلدي".

وفيما يتعلق بالأولى، فقد افتتح أعمالها رئيس مجلس إدارة "تمكين" الشيخ محمد بن عيسى آل خليفة كي يطل "على ما حققته (تمكين) في إطار استراتيجية عملها للأعوام 2018 – 2020، (مؤكدا على وقوف تمكين) بشكل وثيق على تحقيق الفهم المتبادل بين تمكين وجميع المعنيين والمستفيدين من حزمة برامج الدعم.."

وتعود انطلاقة أعمال "منتدى تمكين التشاوري" للعام 2014، حينها أكد الشيخ محمد بن عيسى آل خليفة: "إن تمكين تعمل ضمن رؤية جديدة تتلخص في التركيز على وضع خطوات عملية للمساهمة في تحقيق رؤية البحرين الاقتصادية وإرساء مقومات بناء المستقبل. وتعكف خلال هذه الفترة على إعادة هيكلة عملياتها والتي من المتوقع أن تخلص إلى برامج أكثر مرونة وكفاءة بما يخدم المستفيدين بشكل أفضل، وبلورة استراتيجيتنا للأعوام الثلاثة المقبلة."

واليوم وبعد ما مضي ما يقارب من نصف عقد على تلك الانطلاقة يعود الشيخ محمد مرة أخرى، كي يؤكد  أن "تمكين" تكرس كل جهودها من أجل "ضمان تحقيق القيمة المضافة وتعزيز فرص الدعم لخدمة أكبر شريحة من الأفراد والمؤسسات، لافتاً إلى أن تقارير الأداء المالي لـ (تمكين) حتى نهاية الربع الثالث من عام 2018 تشير إلى زيادة تقدر بحوالي 10 ملايين دينار بحريني في قيمة الدعم الموجهة لتطوير أداء الأفراد والمؤسسات".

من جانبه، وعلى هامش المنتدى، أوضح الرئيس التنفيذي لـ "تمكين" الدكتور إبراهيم محمد جناحي "أن مملكة البحرين مقبلة على مرحلة جديدة من التطبيقات الاقتصادية التي من شأنها أن تصب في دعم حركة النمو المستدامة في الاقتصاد الوطني، ولاسيما مع تطبيق ضريبة القيمة المضافة مطلع 2019، موضحاً أن فرص الدعم التي تعمل (تمكين) على تعزيزها ستشكل داعماً لجهود تحقيق فرص الاستفادة المثلى من هذه القيمة لكل من المؤسسات ولفرص نمو الاقتصاد الوطني على حد السواء".

واضح هنا أنّ البحرين، تواجه تحديا اقتصاديا نوعيا هو "الضريبة المضافة"، وهي ليست مجرد نسبة معينة، بغض النظر عن قيمتها، تضاف إلى ثمن المنتج أو الخدمة، بل هي، كما تكشف عن ذلك الاقتصاديات التي تطبقها، مكون أساسي من مكونات الأداء الاقتصادي، سواء في عملياته الكبرى (Macro)، أو المتناهية الصغر (Micro)، ومن ثمّ فمن الطبيعي أن تنكب "تمكين"، على دراسة التحولات الاقتصادية التي سيفرزها هذا النوع من الضريبة، من أجل التوصل إلى حلول ناجحة تضمن له الاستمرار في أداء دوره المميز في دعم المشروعات الصغيرة والمتوسطة، دون أن تنهكها تلك الضريبة.

على صعيد آخر، وفيما يتعلق بالاحتفالية النسائية، فهي تأتي اليوم في ظروف مستجدة فيما يتعلق بالعمل البرلماني، فمن جانب هناك إحباط ملموس من أداء برلمان 2014، وفي الوقت ذاته، هناك تنام نسبي، كمي وكيفي، متزايد للمشاركة النسائية، انعكس بشكل مباشر على عدد النساء اللواتي نجحن في الوصول إلى قبة البرلمان، والمجالس البلدية. وفي الأول وحده بلغ عدد الفائزات 6 سيدات يشكلن 15% من إجمالي أعضاء المجلس.

وهنا ينبغي التوقف، بموضوعية، حول مساهمة المجلس الأعلى للمرأة في البحرين، في الوصول إلى هذه النتائج المتميزة لمشاركة المرأة البحرينية في الحياة السياسية عموما، والنيابية منها على وجه الخصوص. ففي مطلع العام 2016، "قام المجلس الأعلى للمرأة بإطلاق النسخة الخامسة من برنامج (المشاركة السياسية) تحت عنوان (برنامج المشاركة السياسية 2016-2018) ليؤكد المجلس الأعلى للمرأة التزامه الفاعل بتحقيق رؤية حضرة صاحب الجلالة الملك حمد بن عيسى آل خليفة عاهل البلاد المفدى وترجمة المشروع الإصلاحي لجلالته فيما يتعلق بتمكين المرأة البحرينية، وتهيئتها للمشاركة في الشأن العام، وتعزيز مساهمتها في مسيرة التطوير الوطني".

وكما جاء في استراتيجية برنامج المشاركة السياسية، فهو يهدف لتحقيق جملة من الأهداف من بينها "تمكين المرأة من القيام بدورها في رسم السياسات العامة، ومراجعة وتطوير التشريعات الوطنية من خلال مشاركتها السياسية، وإعداد كوادر مؤهلة من الجنسين لتقديم الخبرة والاستشارات النوعية لدعم المشاركة السياسية للمرأة في مختلف مراحل البرنامج، وإعداد كوادر قادرة على المنافسة في الانتخابات النيابية والبلدية، والوصول إلى مواقع صنع القرار من خلال بناء القدرات وتنمية المهارات الانتخابية".

وقد جسد المجلس الأعلى للمرأة هذه الرؤية في مجموعة من الخطط التي وضعها، والبرامج التنفيذية التي ترجمها خلال حملات انتخابات 2018 مشاركة مع "معهد البحرين لتنمية السياسية"، كان الأبرز بينها تلك اللقاءات الاستشارية المتكررة التي امتدت لما يزيد على خمسة أشهر، أنيطت مسؤوليتها إلى مجموعة من الكفاءات التي تغطي مختلف الجوانب التي يتطلبها خوض المنافسة الانتخابية، وكانت ثمرتها تلك النجاحات التي نتحدث عنها.

التحولات الاقتصادية المتوقعة التي ستفرضها الضريبة المضافة، والتي نوه لها كل من الشيخ محمد بن عيسى آل خليفة، والرئيس التنفيذي لـ"تمكين" د. إبراهيم الجناحي، سوية مع النجاحات التي حققتها المرأة البحرينية في انتخابات 2018، تضع المشروع الإصلاحي أمام تحديات وطنية بحاجة إلى معالجة: الأول في المجال الاقتصادي، والثاني في الفضاء السياسي. هذا من شأنه أن يدعو "تمكين" لإحداث نقلة نوعية في خططه الاستراتيجية، وبرامجه التنفيذية كي تلج ميدان التنمية السياسية، بعد أن كانت مقتصرة على الجوانب الاقتصادية، وفي الوقت ذاته، تدفع السيدات الناجحات كي يتوجهن إلى "تمكين" بمشروعات تنمية سياسية واضحة المعالم، محددة الأهداف، لا تخرج عن إطار بحر المسؤوليات والصلاحيات الذي يعوم فيه "تمكين".

قد تبدو المقاربة صعبة بعض الشيء، وقد توحي أيضا بأنّ معادلة تحقيقها شبه مستحيلة، لكنه حلم سياسي/اقتصادي، وكل المشروعات الجريئة تبدأ بحلم. وكما يقول  البعض التغيير هو في حد ذاته حلم، ومن حق من يقف وراءه أن يحلم.