شوفتكم مولاي.. الحدث الأبرز للعمانيين

حمود الطوقي

في مِثل هذا الشهر، وبالتحديد في التاسع والعشرين من أكتوبر عام 2013، استقبلَ الرئيسُ الفلسطينيُّ في مكتبه، برام الله، وفدَ جمعية الصحفيين العُمانية، الذي قام بأول زيارة رسمية إلى دولة فلسطين الشقيقة، المفرح في الأمر أنَّ فخامة الرئيس عندما علم بوجود وفد صحفي عُماني، أمر بتحديد موعد لمقابلته والسلام عليه.

كان ذلك اليوم مُميزا بكل ما تعنيه الكلمة، فقد استقطَع فخامته جزءًا من وقته الثمين للقاء الوفد الصحفي العُماني، كان لقاءً أبويًّا؛ حيث شكر فخامته حضرة صاحب الجلالة السلطان قابوس بن سعيد المعظم -حفظه الله ورعاه- على مواقفه الإيجابية والثابتة تجاه القضية الفلسطينية. الرئيس الفلسطيني أعرب عن شكره العميق لما تُقدِّمه السلطنة من مساعدات إنسانية للشعب الفلسطيني الذي يُكن للمواقف العمانية ولجلالة السلطان وشعبه كل الاحترام والتقدير.

حقيقة الأمر وكوفد صحفي عندما زُرنا دولة فلسطين الشقيقة، لمسنا هذا الحب الأبوي الذي يكنه جلالة السلطان قابوس للشعب الفلسطيني الشقيق، لمسنا ذلك خلال جولاتنا في مختلف المدن الفلسطينية؛ فقد ظهرت الملامح العمانية في المؤسسات التربوية والصحية وكفالة اليتيم، وتوفير البعثات الدراسية للطلاب الفلسطينيين في أعرق الجامعات على نفقة السلطنة.

وإن كانت السلطنة لا تُحب الخوض والحديث في هذه المواقف الإنسانية والتي تراها واجبًا عليها، إلا أنَّ لسان الحال خاصة من قبل المواطن الفلسطيني يلهج بالشكر والثناء والدعاء لجلالة السلطان قابوس بن سعيد -حفظه الله ورعاه.

استفتحت مقالي بهذه المقدِّمة مُستذكرا الجهود العُمانية في دعم الشعب الفلسطيني؛ فهذه الجهود متواصلة من رام الله إلى أريحا والخليل، ومن بيت لحم إلى نابلس والقدس... وغيرها من القرى والمدن التي وصلتها التنمية العُمانية.

ومنذ تمَّ الإعلان عن زيارة الرئيس الفلسطيني والشعب العُماني قاطبة ينتظر أمام شاشات التلفاز، كي يُكحّل عينيه برؤية جلالة السلطان -حفظه الله- فرؤية جلالة السلطان والاطمئنان على صحته هما الحدث الأبرز بين صفوف العُمانيين.

وعندما يحل على عُمان وعلى جلالة السلطان قابوس -حفظه الله- ضيفٌ عزيزٌ، تتلهف الأفئدة من أبناء عُمان للطلة البهية لجلالة السلطان، ‏هذه الطلة التي تنشر المحبة والتلاحم بين الشعب، وتؤكد معنى المحبة التي يُكنها الشعب العماني لسلطانه الأبي.. بالأمس تسمَّر العُمانيون أمام شاشات التلفاز، ينتظرون استقبال جلالة السلطان لضيفه الكبير، واشتعلت وسائل التواصل الاجتماعي وهي تتداول صور جلالته -حفظه الله ورعاه- مُستقبلا ضيفه الكبير فخامة الرئيس محمود عباس أبو مازن رئيس دولة فلسطين الشقيقة، الذي يزور السلطنة، لعل الحدث الأبرز في هذه الزيارة هو اطمئنان المواطن العُماني على صحة جلالة السلطان -حفظه الله- الذي رسم على مدار العقود الماضية خارطة الطريق لعُمان الحديثة، تحمل في طياتها رؤية جلالته حول التعامل والتعايش مع الآخرين، وأثبتت هذه الرؤية وهذه السياسة الحكيمة التي ينتهجها المقام السامي أن السلام قيمة تتجاوز المستوى التنظيري، خاصة على مُستوى السياسة الخارجية، والصلات الجوارية مع الدول الشقيقة والصديقة، والالتزام بالأعراف والشرائع الدولية التي تنظم العلاقات البينية بين مختلف الدول، وهذا ما جعل من العاصمة مسقط محطَّ أنظار الجميع، خاصة في ظلِّ سياسة النأي بالسلطنة وشعبها وإعلامها عن التدخل في شؤون الغير، ما لم يُطلب منهم ذلك، واحترام السياسات الداخلية للدول، وعدم التورط في مشاريع سياسية ذات أبعاد وأهداف مشبوهة.

إنَّ الزيارة التي يقوم بها الرئيس أبو مازن للسلطنة، تفتح الآفاق على تنمية العلاقات بين الشعبين الشقيقين، ونظرة البلدين إلى المستقبل، الذي يُراهن على وحدة الصف ودعم السلطنة للقضية الفلسطينية، والالتفات إلى الشعب الفلسطيني المكافح.

ثم إنَّ هذه الزيارة رغم قصرها تأتي في ظل توترات إقليمية ومتوسطية، تعكس روح الحوار والتشاور في مآلات بعض الأحداث، بما يصب في صالح الخروج من عنق زجاجة التشظي، نحو استقرار تحتاجه شعوب المنطقة في مختلف المجالات. كما تعكس الرؤية الإستراتيجية العُمانية لمصالح تهم الشعبين الشقيقين.

هذه المناخات تشير إلى حقيقة راسخة، أثبتتها عقود من السياسة العُمانية، التي أرسى دعائمها عاهل البلاد المفدى، وهي انعكاسات الإيمان بالسلام، والعمل به، والسعي نحوه، وإشاعته في مختلف المواقف، وهذا واضح في نهج السياسة العمانية الخارجية، التي عزلت السلطنة عن الدخول في صراعات وتحزبات وطروحات وخطابات لا تسمن ولا تغني من جوع؛ مما جعل مسقط محجًّا سياسيا واقتصاديا، وجعلها لاعبا إقليميا إيجابيا ومؤثرا في الرؤية العميقة للسلام على المستويين الإقليمي والدولي.

فالقدس في النظرة العُمانية كانت وستبقى العاصمة الأبدية للشعب العربي الفلسطيني ودولته المستقلة على امتداد الأراضي الفلسطينية المحتلة من نهرها إلى بحرها.