مسندم والبريمي.. طرفا التنمية وقلبُها النابض

مسعود الحمداني

الوطنية ليست شعارًا يُرفع، ولا طبولا تُقرع، إنها عملٌ مُتواصل يسعى للوصول بالوطن إلى المنزلة التي تليق به، والمكانة التي يستحقها، وهذا ما دأبت عليه حكومات صاحب الجلالة -حفظه الله- على مُختلف فتراتها، وطيلة عقود من الزمن، وامتدت التنمية إلى كل شبر على تراب هذا الوطن.

وحظيتْ المحافظات الحدودية -مسندم والبريمي تحديدا- بنصيبٍ من التنمية، ولكن عبر خطوات بطيئة، ومتأخرة أحيانا، حتى بدأ المواطنون يشكون، وانتقل بعضهم بالفعل إلى "الضفة" الأخرى، وأصبحوا رعايا دولة أخرى، وحصلوا هناك على منافع، وامتيازات مادية، لم يحصلوا عليها في بلدهم الأم؛ بسبب عدم الإسراع في تنفيذ عدد من المشاريع التنموية التي تجعل من تلك المحافظات أكثر رفاهية واستقرارا، وجذبا للمواطن.. فالجميع يعلم أن معظم مواطني المحافظتين يذهبون إلى خارج الحدود يوميا لشراء حاجياتهم، ومستلزماتهم، وقضاء حوائجهم الرئيسية من هناك، نتيجة لندرة المحلات أو المتنزهات أو حتى أدوات الترفيه والخدمات في المحافظتين، خاصة محافظة مسندم.

ولعل الأوان قد حان ليقوم مجلس الوزراء الموقر بكافة أعضائه بزيارة ميدانية لهاتين المحافظتين، والوقوف على احتياجات المواطنين هناك، وعدم الاكتفاء بقراءة التقارير، وصياغة الخطط المكتبية التي لم ينفذ منها الكثير، رغم الإستراتيجيات التي أعدت في هذا الشأن، والتي رُفعت ولم تهبط، والوعود التي حظيت بها المحافظتان، والتصريحات التي تخرج من أفواه بعض المسؤولين ثم تذهب أدراج الرياح، رغم أننا لا ننكر أن هناك مشاريع تنفذ حاليا في محافظة مسندم، لكنها غير كافية، لتكون ثمرة انتظارٍ طويل، كما أن القطاع الخاص يواجه مشكلة تتلخص في عدم تهيئة البينة الأساسية بشكل كافٍ للخدمات، التي هي ركن أساسي للاستثمار، لذلك فهو يتردد كثيرا للاتجاه نحو طرح مشاريعه هناك.

إن التغيّر الديموغرافي الخطير الذي تمر به المحافظتان، يجعل على الحكومة مسؤولية الإسراع بالتنمية الشاملة فيهما، والالتفات إلى متطلبات الناس هناك، وعدم ترك الأمور على رياحها، أو الاكتفاء بردود الأفعال تجاه "الاقتطاعات" المتكررة "غير المقصودة" لمحافظة مسندم من الخرائط؛ فالواجب الوطني لا يكتفي بالتصريحات، بل يتعدى ذلك إلى "ثورة تنموية" شاملة في المحافظتين، تجعل منهما مركزيْ إشعاع مدني وحضاري للسلطنة، فهما أول واجهتيْن تُصافحان وجه الزائر للبلاد.

إنَّ كثيرا من الإجراءات الحكومية التي يتم اتخاذها حاليا تنصبُّ على وضع "التشريعات" القانونية لكمٍّ كبير من الممنوعات، دون البحث عن حلٍ للمشكلة، كمنع حفر الآبار، أو التعدي على أملاك الدولة... وغير ذلك، ولكن في الطرف الآخر هناك من يقوم بسحب المياه الجوفية من أراضي السلطنة، ومن يجتذب المواطنين ومزارعهم إلى دولة الجوار من خلال الامتيازات الخاصة، والإغراءات المالية، والتي هي حاجة إنسانية لا ترفضها الغريزة البشرية، بل إن كثيرا من المواطنين العمانيين أصبحوا رعايا دولة أخرى، بعد أن استنفدوا طاقات الصبر والانتظار حتى تكاد بعض القرى والمناطق تفرغ من سكانها، وهذا أمر خطير للغاية، يجب علينا الاعتراف به، ومواجهته قبل أن يستفحل، بدلا من دس رؤوسنا في الرمال، وتجاهل المشكلة، ورفع الشعارات الوطنية التي لم تعد تُقنع أحدا.

إنَّ الحكومة مسؤولة مسؤولية مباشرة عن ضرورة الإسراع في تنفيذ مشاريع التنمية في هاتين المحافظتين، وعليها مراجعة سياساتها وإستراتيجياتها تجاه المحافظات الحدودية، والإسراع دون تأخير في إنشاء مشاريع تنموية وسياحية وخدمية ذات مستويات فنية عالية لكي تحافظ على تماسك وولاء أبنائها.. وتلك أمانة لا يمكن التفريط فيها، أو الاعتذار عنها، فأن تصل متأخرا، خير من أن لا تصل أبدا.