"تمكين": رعاية مختلفة تولد تحديات تنموية متميزة

 

 

عبيدلي العبيدلي

برعاية دورية من سوق العمل "تمكين" تشارك صناعة تقنية الاتصالات والمعلومات البحرينية كل عام في معرض "جايتكس" الذي يقام، هو الآخر سنوياً في دبي، والذي يحتفل هذا العام بدورته الـ 38. ومنذ تدشين هذا الزواج المُقدس، الذي تجاوز عمره العقد من الزمان، بين "تمكين"، والجمعية البحرينية لشركات التقنية "بتك"، عرفت العلاقة نموا ملموسا متواصلا، انعكس إيجابًا على سوق تقنية الاتصالات والمعلومات البحرينية، وعبرت عنه خطوات نمو محسوسة، على المستويين الكمي والكيفي على حد سواء، تمظهرت حقيقة على النحو التالي:

عدد الشركات الحاضرة، حيث تنامى هذا العدد من مُجرد عدد محدود من الشركات البحرينية، وخاصة الصغيرة والمتوسطة منها على وجه التحديد، لا يتجاوز عدد أصابع اليدين، إلى ما يزيد عن أربعين شركة ومؤسسة منخرطة في أكثر من قطاع من قطاعات تلك الصناعة الغاية في التعقيد، انعكست إيجابا، وبشكل مباشر على طبيعة الرواق البحريني في "جايتكس" الذي يحتضن ذلك الحضور، وتمظهر في شكل العلاقة التي باتت تربط بينه وبين إدارة المعرض من جانب، وبينه وبين جهات صنع قرار صناعة المعلومات والاتصالات البحرينية من جهة ثانية.

المزاوجة المُبدعة بين القطاعين العام والخاص، فرغم تحمل وزارات الدولة التي تُشارك في الرواق البحريني كلفة حضورها، لكن ولد الرواق، من خلال تجربته المتراكمة عبر سنوات حضوره المتكرر والمستمر لهذه المناسبة آلية معينة، وشكلا مبتكرا مرافقا للمشاركة، يبرز إنجازات الدولة في هذا القطاع، ويُلقي بأضواء ساطعة على ما حققه القطاع الخاص أيضًا في الاتجاه ذاته.

الانتقال التدريجي، لكن المستمر والمتنامي، نحو الشركات المنطلقة (StartUps)، والتي بات نموها يشكل ظاهرة ملموسة في السوق البحرينية، وتشكل عنصرا هاما من عناصر الاقتصاد الوطني، وموردا ملحوظا من موارده. وانسجامًا مع التطورات التي عرفها "جايتكس"، الذي أفرد قاعة خاصة لمثل تلك الشركات، وحرصت إدارة "جايتكس"، على أن تدعو المستثمرين الجريئين (VC) في منطقة الشرق الأوسط والعالم، كي يحتكوا، بشكل مُباشر بتلك الشركات ويطلعوا على إبداعاتها، وتطلعات الرواد الذين يقفون وراء تلك الابتكارات. ونجح "تمكين"، هذا العام في الأخذ بيد 20 شركة بحرينية منطلقة، لديها منتجات، وتوفر خدمات قادرة على اجتذاب رؤوس الأموال الباحثة عن فرص نجاح لمشروعات رائدة.

الارتقاء بمُحفزات المشاركة في "جايتكس" بالإعلان عن جائزة تتنافس على الفوز بها الشركات الحاضرة في جايتكس. انطلقت هذه الجائزة محصورة في الشركات البحرينية، ثم توسعت تلك الدائرة حتى باتت تشمل شركات عربية، من بينها الخليجية بطبيعة الحال، دون التفريط في البعد الدولي الذي كانت لشركاته حصة في الجائزة أيضًا. ومن الطبيعي أن تكون آفاق هذه الجائزة لا محدودة، لكنها تحمل في طياتها الكثير من التحديات التي ينبغي الالتفات نحوها.

مثل هذه الخطوات الإيجابية المميزة التي ولدتها الرعاية الدورية المستمرة من قبل "تمكين"، ولدت بشكل تلقائي وطبيعي، بل ومنطقي أيضاً، تحديات مميزة، لم يعد في وسع "تمكين" تحاشيها، وهي في جوهرها تحديات نمو، وفي صلبها تحديات تتطلب مواجهة تختلف عن تلك التي عهدتها السوق البحرينية. ويمكن إجمال تلك التحديات في النقاط التالية:

بناء النظام البيئي (EcoSystem) المناسب القادر على الاستجابة المرنة الفعالة، التي تضمن استمرار هذا النمو في بعديه: الكمي والكيفي من جانب، وتتجاوز أي شكل من أشكال العقبات الإدارية التي يُمكن أن تُبطئ حركة أداء المشاركة، أو تقلص من فرص نموها المتواصل. مثل هذا النظام المعقد، بوسعه، متى ما تمَّ وضعه على أسس راسخة، أن يحتضن مجموعة متكاملة من الإجراءات، تبدأ بمواصفات قبول المتقدمين للمشاركة، ولا تقف عند حدود توفير الظروف المناسبة التي تحقق الزواج الناجح بين أصحاب المشاريع المشاركين في "جايتكس"، والباحثين عن فرص استثمار واعدة في قطاع الاتصالات والمعلومات البحريني.

الوصول إلى صيغة عمل مع الجهات ذات العلاقة، والتي تندرج تحت المهمات الموكل لـ "تمكين" القيام بها بطرق مبتكرة غير معهودة، قادرة على النهوض بقطاع تقنية المعلومات والاتصالات البحريني، من خلال الابتكار في طرق ووسائل مشاركة هذا القطاع البحريني في الفعاليات الدولية المناسبة. حيث لم تعد المشاركة وحدها قادرة على تلبية احتياجات رعاية هذا القطاع وتنمية قدراته، وتطوير إمكاناته. وهذا يتطلب النمو في اتجاهين متكاملين: الارتقاء بأداء هذا القطاع، بتوفير فرص النمو أمامه، وتشجيع رأس المال الأجنبي، بالتعاون مع "مجلس التنمية الاقتصادي"، للاستثمار المباشر في سوق الاتصالات والمعلومات البحرينية.

وضع الأسس الصحيحة القادرة على بناء القنطرة الفاعلة القادرة على كتابة المعادلة السليمة بين مخرجات التعليم واحتياجات سوق العمل. هذه المعادلة تجاوزت صيغتها الخطية الأحادية البعد التي عهدتها خطط التنمية، وأصبحت ذات أبعاد متعددة بفضل التحولات التي طرأت على بينة المنظومة التعليمية التي ولدتها القفزات النوعية المتوالية التي أفرزتها تطورات صناعة تقنية المعلومات في المنظومة التعليمية من جانب، ونظيرتها من تلك التحولات التي فرضتها تلك التقنية في طرق وأساليب، ومن ثم آليات سوق صناعة المعلومات والاتصالات من جانب آخر. وأكثر ما تجسده تلك التحولات هو ما جاءت به الحوسبة السحابية من معايير وقيم وأشكال إنتاج، وتصدير.

الموازنة الدقيقة والواعية بين مُتطلبات الدعم، وبناء المشاركة، بين بناء القدرات الذاتية الفردية من جانب، وتطوير أداء الشركات، وترسيخ أقدامها من جانب آخر. فرغم التكامل الواضح بين معادلة العلاقة التي تحكم الطرفين، إلا أنَّه تبقى هناك خصوصيات، مهما بدت صغيرة من الخارج، لكنها عميقة في داخل تلك العلاقة بحاجة إلى الانتباه لها..

ولو أمعنَّا النظر في تلك التحديات، فسوف نكتشف أنَّها تندرج تحت قائمة مهمات "تمكين"، وتلبي رؤيته، حيث تقول الأولى: "تمكين البحرينيين، وفقاً لاحتياجات السوق، وتعزيز قدرات المؤسسات للمساهمة في تعزيز الاقتصاد الوطني". في حين تنص الثانية على "تمكين البحرينيين من الازدهار والمساهمة في تعزيز الاقتصاد الوطني".