تحدي الدول الغنية
مقالة بقلم جيك ويرنر
ترجمها بتصرف: عبيدلي العبيدلي
"إن حرب واشنطن ضد الاستبداد ستفشل إذا تركت الفقراء". جيك ويرنر.
من المؤكد أن مثل هذه الممارسات تتحدى قوة الدول الغنية، لكن معظم "العالم الحر" يود بشدة أن يحاكيها. تم وضع القواعد المعنية في المفاوضات التي أسست منظمة التجارة العالمية في عام 1995، عندما قامت الدول الغنية، بناء على طلب بعض أقوى الشركات في العالم، الدول الفقيرة المسلحة بمنع الممارسات التنموية التي كانت مقبولة على نطاق واسع في السابق. كان رفض الديمقراطيات مثل البرازيل والهند تقديم المزيد من التنازلات سببًا رئيسيًا لانهيار جولة الدوحة اللاحقة للمفاوضات في عام 2008، لكن الدول الغنية دفعت بهذه المبادئ أكثرظن وسعت إلى فرضها على أوسع نطاق عالمي من خلال اتفاقيات التجارة والاستثمار الثنائية.
حظرت القواعد الجديدة الممارسات التي استخدمتها جميع الديمقراطيات الغنية في الماضي. وأصبحت ثروة البلدان الغنية تدين بالكثير لسرقة الملكية الفكرية، التي كانت من تصنيع الولايات المتحدة. على سبيل المثال لا الحصر، كان من رابع المستحيلات إذا لم ينجح الأمريكيون في سرقة تقنيات الإنتاج البريطانية المتقدمة- ناهيك عن أشكال السرقة الأكثر عنفًا، مثل استعباد أو نهب المستعمرات- أن تتحقق للصناعة الأمريكية تلك المكانة التي تحظى بها اليوم، وتتمكن من خلالها من بسط نفوذذها على الأسواق العالمية.
يجري ذلك بغض النظر عن الأضرار التي تلحق بها هذه العملية على نمو الديمقراطيات التي تدعي واشنطن انها لا تكف عن رعايتها. أما بالنسبة للسياسة الصناعية، فإن جميع الديمقراطيات الغنية تستخدم تقنياتها. تم تصميم خطة "صنع في الصين 2025" المشبوهة للغاية في الصين على غرار إستراتيجية الثورة الصناعة الرابعة (Industry 4.0) في ألمانيا والشبكة الوطنية الأمريكية لابتكار التصنيع (المعروفة أيضًا باسم التصنيع بالولايات المتحدة الأمريكية). ويهدف جدول الأعمال الاقتصادي للرئيس بايدن إلى استخدام قوة الدولة لتأمين سيطرة الولايات المتحدة على القطاعات عالية القيمة. ونجاح الصين في تطعيم شعبها والتصدي للتحول المناخي لا يقوم على عداء بكين للديمقراطية، ولكن على قدرتها على محاكاة الدول الغنية من خلال كسر القواعد عندما يكون ذلك مناسبًا. ويصب على نحو مباشر أو غير مباشر في مصالحها.
كافحت الديمقراطيات في الجنوب العالمي من أجل ترقية اقتصاداتها، وظلت عالقة بين قيود إجماع واشنطن على تقنيات التنمية الفعالة وبرنامج الصين الناجح للغاية للتهرب من مثل هذه القيود. في هذا السياق، تبدو دعوة واشنطن للتضامن الأيديولوجي بين الديمقراطيات في العالم جوفاء إلى حد ما.
سياسة أجنبية للجميع
تقف عدة حواجز بين صانعي السياسة الأمريكيين وجدول أعمال أفضل مؤيد للديمقراطية. أولاً، أصبح النمو الاقتصادي الأمريكي يعتمد بشكل كبير على الأرباح المركزة للشركات في قطاعات التكنولوجيا والأدوية والترفيه والعلامة التجارية الاستهلاكية والقطاعات المالية. هذه الشركات هي نفس الشركات التي تمثل أكبر العقبات أمام رفع معايير العمل العالمية وتحرير قواعد الملكية الفكرية. يتدفق الاستثمار في الولايات المتحدة وحول العالم نحو فرص لانتزاع الإيجارات الاقتصادية بدلاً من خلق فرص العمل، وبناء البنية التحتية، وزيادة الإنتاجية.
نأخذ المشلكة بعدا فلسفيا أيضا. هل دور الديمقراطية هو مجرد توفير إطار محايد يمكن للأفراد من خلاله تبادل السلع والأفكار بحرية عن طريق الحد من التهديدات للحرية والممتلكات - أي من خلال توفير المنافع العامة "السلبية"؟ أم يجب أن تضمن الديمقراطية أيضًا التوفير الموضوعي للسلع العامة "الإيجابية" مثل الرعاية الصحية والتعليم والوظائف عالية الجودة والاستثمار الرأسمالي؟ لقد عملت السياسة الخارجية للولايات المتحدة بنشاط لصالح المنافع العامة السلبية ورفضت السلع الإيجابية، حيث حذر المسؤولون والخبراء الأمريكيون من كلا الطرفين مرارًا من المخاطر التي يشكلها تدخل الدولة في الاقتصاد. ركزت واشنطن على تحرير السوق، والحقوق الفردية، وسيادة القانون، والدفاع عن أمن الممتلكات وحرية الملاحة ضد زحف الأشرار: المجرمين العابرين للحدود، و"الدول المارقة"، والإرهابيين، والآن الصين.
***
جاك ويرنر زميل باحث بمرحلة ما بعد الدكتوراه ومتخصص في الأبحاث العالمية حول الصين، في مركز تطوير السياسات العالمية بجامعة بوسطن الأمريكية. وقد نال درجة الدكتوراه في التاريخ من جامعة شيكاغو، وبعدها اشتغل في تدريس النظرية الاجتماعية والتاريخ الصيني بصفته زميل هاربر- شميدت في جمعية زملاء جامعة شيكاغو.