هل تدعم أمريكا الديمقراطية حقًا - أم مجرد ديمقراطيات غنية أخرى؟ (4 -5)

 

مقالة بقلم جيك ويرنر

ترجمها بتصرف: عبيدلي العبيدلي

"إن حرب واشنطن ضد الاستبداد ستفشل إذا تركت الفقراء". جيك ويرنر.

ومع ذلك، تفقد المنافع العامة السلبية الفعالية والشرعية عندما تنفصل عن السلع العامة الإيجابية. وغالبًا ما تفشل جهود المساعدة الأمريكية لهذا السبب. وهنا ينبغي أن يضع القارئ في اعتباره، على سبيل المثال، برنامجًا قيمته 31 مليون دولار في غواتيمالا مولته الوكالة الأمريكية للتنمية الدولية في السنوات الأخيرة لإنشاء تطبيق للهواتف الذكية يسمح للسكان بتتبع إنفاق الحكومة المحلية. لكن السكان الفقراء، الذين يهتمون بالوظائف أكثر من اهتمامهم بالحكم الرشيد، لم يتمكنوا من شراء الهواتف الذكية في المقام الأول.

في السياسة الداخلية، تدرك إدارة الرئيس جو بايدن الحاجة إلى الانفصال عن عقيدة السوق الحُرة. وعليها أن تتساءل كيف ستبدو السياسة الخارجية التي تتضمن تلك الرؤية؟ من ناحية، سيجري التركيز على التوفير العالمي للمنافع العامة الإيجابية. وحينها سيحتاج كل بلد إلى تنشيط الاستثمار العام بطريقته الخاصة. هنا سوف يتطلب الأمر أن تدعم هذه العملية برامج عبر وطنية لتأمين الصحة العامة، وأن تسد فجوة البنية التحتية الضخمة بين البلدان الغنية والفقيرة، ويجري التأكد من تحقيق انتقال عادل بعيدًا عن مصادر الطاقة كثيفة الكربون. وبخلاف ما قد يتبادر إلى ذهن القارئ حينها. فبدلاً من سير العمل الخيري في اتجاه واحد، يجب أن تسحب هذه المبادرات العالمية لحل المشكلات التي تهدد الجميع وتحل مكانها مساهمات من جميع البلدان بما يتماشى مع قدراتهم.

وينبغي الاعتراف أنه لا تزال الولايات المتحدة في وضع أفضل لقيادة هذه الجهود. وهناك بعض المؤشرات التي تدل على أن إدارة الرئيس بايدن قد تكون منفتحة على ممارسة مثل هذا الدور. على سبيل المثال لا الحصر، مبادرة "إعادة بناء عالم أفضل"، وإن لم يتم تحديد أسسها بشكل جيد، إلا أنها تعزز من ترويج هدف تطوير البنية التحتية العالمية. ورغم كل ذلك، فإن انشغال واشنطن بمنافسة القوى العظمى يهدد باستبعاد المساهمات الأساسية للصين من المشروع، ويفسح في المجال أن يستخدمه بالفعل الصقور لتوجيه المواهب والموارد الهائلة للولايات المتحدة نحو العسكرة بدلاً من التصدي للتهديدات الحقيقية التي تواجه البشرية. ومن المفارقات أن تبرير بكين للاستبداد- تزايد انعدام الأمن والمعاناة الناجمة عن الأمراض الوبائية والدمار المناخي وعدم المساواة المزعزعة للاستقرار- سوف يصبح أكثر إقناعًا إذا حال العداء المناهض للصين في واشنطن دون اتخاذ تدابير فعالة ضد هذه المخاطر الوجودية.

على نحو مواز، ومن الصالح العام الآخر الذي لا يقل أهمية عن السعي لتعزيز مرتكزات الديمقراطية، تبرز ضرورة البحث عن نظام قابل للتنفيذ لحقوق العمال العالمية، والذي من شأنه أن يساعد في الحد من المنافسة اليائسة بين العمال التي تؤدي إلى الكثير من العنصرية والقومية، ويجري ذلك سوية مع برامج تعزيز طلب المستهلكين، والدعم الشعبي. لقد التزمت كل دولة تقريبًا، باستثناء الولايات المتحدة، بالفعل بحماية حقوق العمل الأساسية بموجب الاتفاقيات الأساسية لمنظمة العمل الدولية. ما تبقى هو بناء نفس النوع من البنية المؤسسية لحماية حقوق العمال التي أمضت الولايات المتحدة السنوات الأربعين الماضية في بنائها، لحماية حقوق أصحاب الأصول.

أخيرًا.. يجب على واشنطن أن تتبنى مبدأ التنمية كحق من حقوق الإنسان، وهي فكرة نالت دعمًا قويًا في الأمم المتحدة منذ العام 1986، على الرغم من معارضة الولايات المتحدة والديمقراطيات الغنية الأخرى. بالإضافة إلى أن تحرير القيود المفروضة على الملكية الفكرية والسياسة الصناعية، فإن هذا سيتطلب زيادة كبيرة في أموال التنمية الأمريكية للبلدان التي تعاني من نقص رأس المال لفترة طويلة. يُظهر الاتفاق الذي تم التوصل إليه مؤخرًا بشأن الحد الأدنى لضريبة الدخل على الشركات العالمية، والذي تم تحديده إلى بدرجة كبيرة بين الديمقراطيات الغنية، أنه من الممكن أن يمهد التنسيق المتعدد الأطراف، الطريق لاقتصاد عالمي أكثر إنصافًا. كما أنه يعزز الانقسام بين الأغنياء والفقراء من خلال تجاهل رغبة البلدان النامية في زيادة الإيرادات.

ومن الممكن أن تكون الخطوة التالية للإصلاح زيادة في معدل الضريبة العالمي على الشركات لإنشاء مصدر ثابت للتمويل من أجل التنمية في الجنوب العالمي. كان الاستثمار الأجنبي الخاص في البلدان النامية مجزأ ومتقلب. ليس ما تحتاجه مثل هذه البلدان عائدات سريعة؛ بل استثمارًا تحويليًا طويل الأجل لزيادة قدرتها على توليد الثروة بشكل دائم. وهذا هو الشيء الذي لن يضع حدًا للفقر المروع الذي يعاني منه المليارات فحسب؛ بل سيخلق أيضًا فرصًا جديدة هائلة للشركات والعاملين في الولايات المتحدة.