بشرى سارَّة للمزارعين.. ولكن!

 

علي المعشني

نتساءل جميعنا دائمًا عن سرِّ وجود -أو السعي لإيجاد- حلقة مفقودة في كلِّ مشروع حيوي يحملُ قيمة مضافة للدولة والمجتمع، والأمثلة كثيرة ويصعُب حصرها وعدها؛ حيث اعتدنا في سلطنتنا الحبيبة على هكذا وضع منذ عُقود وحتى يومنا هذا، وكأنَّه قدرٌ محتومٌ لا يُرد، حتى أصبح فولكلورا عُمانيا بامتياز!

فرغم التوجيهات السامية لمولانا جلالة السلطان المعظم -حفظه الله ورعاه- الحثيثة في كلِّ مُنَاسبة بضرورة تنويع مصادر الدخل، والبحث عن الرفاهية للمواطن، والتنمية الشاملة للوطن، من واقع ما حَبَا الله به هذا الوطن من مُقدِّرات طبيعية وبشرية مثالية، إلا أنَّ الأداء الحكومي للأسف لا يزال بعيدًا عن منسوب الطموح للقائد والشعب، بل وحتى عن المُمكنات كذلك، وهذا الكلام يجب ألا يُثير حفيظة أحد، أو يُسكن في غير محله، فكُلنا شركاء في الوطن، وفي سفينة الوطن، وسفينة الوطن عادة تسير بلا قوارب نجاة؛ لهذا فالوطن مسؤولية الجميع بلا استثناء، وكل من موقعه.

لقد أثلج صُدور الكثير من أبناء الوطن تصريح معالي الدكتور فؤاد بن جعفر الساجواني وزير الزراعة والثروة السمكية، بقرب إشهار الشركة الوطنية لتسويق المنتجات الزراعية، والتي سيُناط بها مهام ومسؤوليات الهيئة العُمانية لتسويق المنتجات الزراعية، والتي تم حلها منذ عقود خلت، وكما هو معلوم للجميع لأسباب يطول شرحها، على رأسها رغبة الحكومة في خصخصتها وتسييرها من قبل القطاع الخاص وحين تعذر ذلك تم حل الشركة.

على كلِّ حال، الكل يعلم أنَّ الهيئة كانت تعاني من مشكلات كثيرة في أداء مهامها؛ وعلى رأسها: التسويق ومنافذ البيع وانتقائيتها المشددة للمنتجات الزراعية من قبل المزارعين، وفوق كل هذا كانت تلبي الجانب المعقول لمهامها، مع إمكانية كبيرة لتصحيح مسارها، ولكن "الكي كان آخر الحلول".

الهيئة المذكورة في حقيقتها وُلدت شبه ميتة، رغم مُسمَّاها ومهامها؛ لأنها لم تكن بقدر الطموح، ولم تكن تلبي الحد المعقول والمطلوب منها، وإلا لكانت أحدثت نقلة نوعية مهمة في قطاع الزراعة بالسلطنة، وتسبَّبت في حقن مقدرات كثيرة للوطن؛ ومنها: التوظيف والمدخرات المادية، والحفاظ على التربة والأراضي الصالحة للزراعة والمياه في بلد يُعاني من شُح المياه، وفي المقابل شكلت الزراعة مصدرَ دخلٍ مريحٍ لغالبية سكانه في مراحل زمنية كثيرة.

لا شكَّ أن حل الهيئة كان خطأ إستراتيجيًّا جسيمًا؛ كونه أغلق منفذا تسويقا مهما للغاية رغم عثراته، والتي كان بالإمكان تحسينها والارتقاء بأداء ومهام الهيئة، ولاشك أن إغلاق الهيئة أسهم بشكل كبير في بث روح الإحباط واليأس لدى قطاع المزارعين، وترتبت عليه أغلب آثار انتكاسة القطاع لاحقًا، والتي يعلمها الجميع.

اليوم.. يأتي الإعلان عن الشركة المرتقبة للتسويق الزراعي في ظلِّ مُتغيرات كثيرة وكبيرة لقطاع الزراعة في السلطنة، وعلى مستوى العالم كذلك، فنحن اليوم نعاني من تكدس أعداد لا يُستهان بها من الباحثين عن العمل، والذين يُمكن استيعابهم في قطاعات الزراعة، عبر تحفيزهم على إنشاء مشروعات خاصة بهم في هذا القطاع، ونحن اليوم مُحَاطون بجملة من الاتفاقيات الدولية للتجارة والتنافسية والجودة، والتي تجبرنا على أنماط سلوك وفكر متغير عن زمن الهيئة وظروفها، كما أنَّ قطاع الزراعة اليوم لم يعد زراعة ومنتجات زراعية وفق المفهوم التقليدي، بل يشمل قطاع الصيد البحري والثروة الحيوانية والدواجن كذلك، وهذه الشرائح يجب استيعابها في مفهوم ومهام الشركة المرتقبة في تقديري؛ لأنَّ ذلك سيمثل خدمة مباشرة لقطاع عريض من الشعب، وتحفيزًا لهم، ودعمًا مباشرًا للنهوض بهذه القطاعات، وخلق مناخات وظيفية آمنة ومشجِّعة، ودخول عوائد مُجزية.

في الحقيقة تعشمنا كثيرًا بوعود وخطط ومشروعات الشركة العُمانية للأمن الغذائي، لدورها المرجو في النهوض بمفردات الأمن الغذائي بالسلطنة، وتحقيق النفع العام للمواطنين والقيمة المحلية المضافة المرجوَّة من قيام الشركة المذكورة باعتبار مشروعات المواطنين التي تدخل ضمن اختصاصها كخطوط إنتاج لها تحظى بالرعاية والإشراف والتوجيه والتسويق من قبلها، من باب الشراكة غير المباشرة، كما هي حال الكثير من بلاد العالم.

ولكن يبقى أملنا كبيرًا بأن تقوم الشركة المرتقبة بتلافِي عثرات الهيئة، وأن تتَّسع مهامها لقطاع الزراعة بمفهومه الشامل اليوم، وأن تضع في اعتباراتها كافة المستجدات على ساحة الوطن منذ إغلاق الهيئة وإلى اليوم من حاجات توظيف وانتشار شرائح المزارعين والصيادين ومربي الماشية ومزارع الدواجن في ربوع السلطنة، دون وجود منفذ تسويقي أو جهة تسويقية يقصدونها لتسويق منتجاتهم، كما هي حال هذا القطاع في جميع أرجاء العالم؛ كون من أبجديات السياسة الناجحة التوجُّه بالنفع نحو القطاع الأكبر والشرائح الكبرى في المجتمع.. وبالشكر تدوم النعم.

--------------------------

قبل اللقاء: مشكلتنا في سلطنتنا الحبيبة أننا نتجنب الحديث عن المعضلات والمشكلات الحيوية ونرحِّلها، مُرَاهنين على الزمن لعلاجها، ويعود ذلك -في تقديري- إلى سوء فهمنا للفرق بين هيبة الدولة والمصلحة العامة، وبهذا تتعاظم المشكلات وتكبُر ككرة الثلج في حجمها وحلولها.

Ali95312606@gmail.com