عُمان في عيون الآخرين

عبدالرزاق بن علي


 لم تكن عمان بالنسبة لي شيئا مُختلفا عن هذه الأقطار العربية التي تداعب أمواج البحر من المحيط إلى الخليج رمالها برفق.. وتحاصر خاصرتها كثبان الصحراء الكبرى أو الربع الخالي في صلف وعناد، ولم تكن مسقط تعني لي شيئا آخر غير ما أستبطنه في ذاكرتي من أسماء المدن العربية الكثيرة التي تنهض باكرا على أصوات المؤذنين في صلاة الفجر، وتنام حالمة بغد أفضل. ولم يكن العمانيون يختلفون في مخيلتي عن غيرهم من المواطنين العرب الذي فرقتهم حدود اتفاقيات سايكس بيكو، وجمعتهم أواصر التاريخ واللغة والمصير والدين والحضارة.
والحقيقة التي يجب أن أعترف بها أنني كنت أحمل أفكارا مسبقة عن عُمان، ولم تتجاوز الصورة التي كانت في ذهني مزاين الإبل، والخنجر، وحقول النفط، واللبان، وصيد السمك والمرجان. وحين قدر لي بفضل من الله أن أعمل من تونس مع جهات إعلامية عمانية قبل بضع سنين، أتاحتْ لي الفرص اكتشاف ما كنت أجهله عن هذا البلد. وعرفت بحكم عملي مسؤولين ودبلوماسيين وإعلاميين وكتابا وشعراء من مختلف الجهات والدرجات؛ فالعمانيون مُهذَّبون جدا وطيبون وكرماء ومتسامحون بلا حدود. ويحبون بلادهم ويسعون لخدمتها بأفعالهم قبل أقوالهم. ويعلمون الكثير عن تاريخ بلدهم القديم والحديث. ويسافرون كثيرا لمختلف أصقاع الأرض لاكتشاف المجاهل الرحبة. يزرعون الحب أينما ذهبوا. ويوزعون الحلوى العمانية بطريقتهم المهذبة على من يتعرفون عليه. وغالبا ما يقدمون شعار عُمان الذي يُمثله خنجر موضوع بين سيفين مُتقاطعين لخاصة أحبابهم كعربون حب وتقدير واحترام.
لا يزال العمانيون مَضْرب المثل في طيب المعشر وحسن الخلق، ولا يختلف عارفان بأحوال الناس أنهم من أفاضل الشعوب. وفضلا عن الحديث الشريف المرفوع عن الرسول الكريم في أهل عمان "لو أهل عمان أتيت ما سبوك وما ضربوك"، فإن خطبة أبي بكر -رضي الله عنه- من أجمل ما قيل فيهم "معاشر أهل عمان إنكم أسلمتم طوعاً، لم يطأ رسول الله ساحتكم بخف ولا حافر ولا عصيتموه كما عصيه غيركم من العرب. ولم ترموا بفرقة ولا تشتت شمل فجمع الله على الخير شملكم".
ولا يزال قول أبي بكر يصدق في أهل عمان وقادة هذا البلد؛ فجميع المتابعين للشأن العربي يعلمون ما تتصف به القيادة العمانية من حكمة وبعد نظر وتوازن. ويحظى السلطان قابوس بتقدير الأوساط السياسية العالمية وصُنَّاع القرار في العالم، فضلا عن دوائر الحكم العربي الرسمي والرأي العام في الوطن العربي. فقد استطاع أن يجنب بلده وينأى به عن كثير من الفتن والحروب التي شهدتها منطقة الخليج ومحيطها العربي. وكان له الفضل في المحافظة على الحياد في كثير من المواقف التي تتطلب ذلك. وهو ما كان له أطيب الأثر في رسم صورة ناصعة مشرقة لعمان في محيطها العربي والدولي. ليس من السهل في عالمنا الذي تحكمه الأحلاف والمصالح والولاءات أن يكون لدولة صغيرة كانت أم كبيرة موقفها الخاص المتوازن الحكيم. ولكن عُمان بفضل قادتها استطاعت أن تكون محل احترام الجميع. ولعلها دفعت من قوت أبنائها ثمن هذا الخيار، ولكن ما حصلت عليه من سُمعة طيبة يتجاوز في قيمته أضعاف كلفة استقلال قرارها وحياده.
وليس من السهل أن يُحقق بلد عدد مواطنيه دون ثلاثة ملايين نسمة ما تحققه عمان في مختلف المجالات، ومع ذلك نجحت القيادة العمانية في فترة وجيزة أن تحقق للعمانيين الكثير، ومن ذلك ما يلقونه من ترحيب وتبجيل أينما كانوا ووجدوا.
فقد نختلف أو نتفق في جميع ما يحدث هنا وهناك من وقائع في محيطنا العربي. وقد يكون لولاءاتنا القطرية والجغرافية أثرها في تحديد المواقف. ولكن الحقيقة التي يجب علينا الاعتراف بها أن عُمان كانت بوصلتها الوحيدة دائما وحدة الأمة ولم شملها ونبذ فرقتها.

تعليق عبر الفيس بوك