المواطنة العمانية في مواجهة الأزمات

 

حميد بن مسلم السعيدي

تتجلى المواطنة الفاعلة في أسمى صورها عند الحديث عن الدور الوطني الذي بذله جميع المواطنين العاملين في المؤسسات الحكومية التي كانت لها الدور البارز في عملية التخطيط والتنظيم والتنفيذ وتوزيع العمل على المؤسسات ذات الاختصاص مما كان له الأثر الواضح في مواجهة الحالة المدارية والتي مرت بأقل الأضرار والخسائر البشرية والمادية، وهنا لا نحتاج إلى الدليل إلى مدى تعمق المواطنية لدى المواطنين، إنما هي مكان افتخار وعزة للوطن تبقى ماثلة وشاهدة عبر التاريخ على أحد النجاحات التي حققها رجال الوطن.

فقد عبر إعصار ميكونو الأراضي العمانية ليؤكد مدى بسالة وصمود رجال قابوس الذين كانت لهم الكلمة الحقيقية على أرض الواقع في روح الفريق الواحد الذي عمل جاهدًا على تقليل الخسائر مواجهة الحالة المدارية، مما يعطي دلالة على مدى الرغبة الحقيقية في الدور الذي يقوم به المواطنون الأوفياء في الوقت الذي يحتاج إليهم الوطن، كل ذلك جاء بدعاء الصالحين لله عز وجل أن تمر هذه الحالة بدون خسائر كبيرة، حيث نقف أمام مشهد وطني يتمثل في الجهود التي يبذلها شباب عُمان في تقديم الدعم والمساندة بعد انتهاء مرحلة عبور الإعصار، إلى مرحلة جديدة تتطلب منا جميعا العمل على التعاون والتعاضد في مساندة المحتاجين والمتضررين من الإعصار، والعمل على إصلاح ما يمكن القيام به من إضرار في الممتلكات العامة والخاصة، وهنا تبرز الصورة المشرفة لأبناء الوطن في القيام بدورهم الوطني في وقت الأزمات، وكما عهدناه سابقا في الأزمات الماضية عندما وقفت عُمان برجالها ونسائها في معالجة الآثار المترتبة على هذه الحالات المدارية، اليوم يتكرر الموقف من الجميع الذي يرغب في المساهمة والرد الجميل لهذا الوطن، حيث تتجلى المواطنة العُمانية في العديد من المشاهد الذي أثبتت مدى الارتباط الروحي والعاطفي بين المواطن وتربة هذه الوطن، ذلك الارتباط الذي كان حاضرًا اليوم من أجل مساندة جزء غال من الوطن أرض اللبان أرض الوحدة الوطنية أرض التضحيات أرض الوطن، ظفار. حيث تشهد عمان من أقصى شمالها إلى شرقها وغربها حملات تطوعية للذهاب إلى ظفار لتقديم المساندة والقيام بالواجب الوطني في عملية إعادة الوطن إلى حلته الزاهية التي عرفناه بها، والعمل على تقديم ما يستطيع القيام به شبابنا، وهذا الموقف الوطني يمثل ركيزة أساسية من المواطنة الفاعلة حيث تتضح فيها المسؤولية المجتمعية والشراكة بين المواطن والحكومة في القيام بالواجبات تجاه الوطن، وبالرغم من قناعتنا بأن الجهات الحكومية قائمة بدورها المنوط بها، إلا أنّ الواجب الوطني يتطلب منا المشاركة في عمليات التطوع والتبرع للمحتاجين من أثر الأضرار التي لحقت بظفار جراء الحالة المدارية، تلك الحالة التي أظهرت العديد من النجاحات على أهمية العمل النظم والمخطط له، بالرغم من قصر الفترة الزمنية إلا أنّ تكاتف الجهود والرغبة الوطنية كانت حاضرة في تحقيق الجاهزية لاستقبال هذه الحالة المدارية.

وفي ذات الوقت فإنّ المساهمة في عمليات التبرع الوطني هو واجب على كل مواطن، خاصة أنّ هذه التبرعات لا ينبغي أن تقتصر على محافظات السلطنة المتأثرة، فهناك بلدنا الثاني اليمن الذي يعانى معنا من ذات الحالة المدارية، ونظرا للظروف الحالية واضطراب الأمن فيها لأسباب الحرب، فإنّ مساندة في هذا الشهر الكريم والتبرع لهم هو واجب وطني وإنساني، فعمان عهدها في دعم المحتاجين كان أحد أبرز المبادئ الإنسانية التي تمسكت بها عبر التاريخ العماني، وما زلنا في العهد الحاضر نقوم بذلك في مساندة المحتاجين في دول العالم، ويمثل ذلك جزءا من مبادئ الإنسانية التي تقدم رسالة سامية للشعوب الراغبة في السلام والتسامح العالمي.

وبالرغم من كل الجهود التي بذلت في سبيل مواجهة هذه الحالة المدارية إلا أنّ البعض لم يكن عند مستوى المسؤولية الوطنية التي تتطلب منه إحكام تصرفاته واتباع التوجهات الصادرة من الجهات ذات الاختصاص، مما أسهم في التأثير على جهود المساندة والإنقاذ، حيث برزت تصرفات من بعض المواطنين والمقيمين وعدم تحمل تصرفاتهم التي يقوم بها أثناء الحالة المدارية، مما تطلب الأمر القيام بعمليات الإنقاذ وهذه العمليات التي تتم وقت الأعاصير تحمل العديد من المخاطر والأضرار في الأرواح البشرية، وكان الأجدى أن يتحمل البعض قرار تصرفاته بالمغامرة في مثل هذه الأجواء، لذا فإن الحاجة إلى تطبيق القوانين وعدم التساهل فيها أمر أصبح أكثر أهمية فلا يمكن التضحية بالمواطنين المنقذين مقابل فرد غير قادر على ضبط نفسه وحمايتها من التهور، والأمر الثاني والذي حمل خطورة أخرى هو عدم المسؤولية في نشر الإشاعات دون التأكد من مصادرها الرسمية مما يدخل الذعر والخوف في نفوس المواطنين والمقيمين وأيضا القائمين في أعمالهم،  إلى جانب نشر الصور والفيديوهات التي لا تمت للواقع بشيء، حيث إن الناشر ينبغي عليه أن يتأكد من مصادره أو تحمل مسؤولية تصرفاته غير المسؤولة، فشبكات التواصل الاجتماعي أصبحت اليوم وسيلة تواصل مفتوح ينبغي استغلاله بصورة إيجابية من أجل مصلحة الوطن.

إلا أن كل الجهود كانت أكثر نجاحا في سبيل الوطن، لذا يجدد الشعب العماني والعهد الولاء لجلالة السلطان قابوس، وللوطن الغالي عُمان، بأن نمضي قدما وفقا للمسار الذي رسمه جلالته منذ عهد النهضة العمانية، وأن نصون الوطن من كل الأضرار الطبيعية والبشرية، وأن نعمل بإخلاص وأمانة في كل الظروف والتحديات، وأن نخطو نحو المستقبل بكل اعتزاز وفخر بأن تبقى رؤوسنا شامخة باسم هذ الوطن.

 

Hm.alsaidi2@gmail.com