مصفاة الدقم.. فرحة وطن وإن طال السفر

حمود الطوقي

 

لم يكن حدثا عاديا الاحتفال الذي شهدته السلطنة الأسبوع المنصرم بوضع حجر الأساس على واحد من أهم المشاريع الاقتصادية والاستثمارية للسلطنة وأعني هنا مشروع مصفاة الدقم الذي سيقام في موقع استراتيجي كونه يطل على خطوط الملاحة الدولية الرئيسيّة في المحيط الهندي وبحر العرب.

كنت أراقب وجوه الإخوة من دولة الكويت الشقيقة الشركاء في هذا المشروع، وبعضهم يزور منطقة الدقم -مسرح الحدث الاقتصادي- لأول مرة، كانت وجوههم فرحة مبتسمة وبشوشة بمشاركة أشقائهم من سلطنة عمان واقتسامهم مناصفة في إنشاء مشروع مشترك يعد الأكبر من نوعه على مستوى دول المنطقة. الشراكة مع الأشقاء من دولة الكويت ليست وليدة الدقم؛ فالعلاقات بين البلدين ضاربة الجذور، وتأتي الدقم لترسخ هذه العلاقات بإقامة مشروع مشترك سيعود بالنفع على البلدين الشقيقين.

سألت الأستاذ نبيل محمد بورسلي الرئيس التنفيذي لشركة البترول الكويتية العالمية وهي الشركة الشريكة لمصفاة الدقم عن أهميّة هذا المشروع بالنسبة للبلدين فقال لي هذا المشروع بجد هو انطلاقة لعهد جديد في مسيرة التعاون بين البلدين الشقيقين، نحن نرى أنّ هذا المشروع العملاق الذي يقام على أرض السلطنة له ميزة كبيرة واستثنائية كونه سيفتح آفاقًا واسعة لتطوير القطاع النفطي، ويساهم في تنشيط الحركة الاقتصادية في منطقة الدقم عبر توفير فرص استثمارية مباشرة وغير مباشرة لتلبية الاحتياجات المختلفة.

مشروع مصفاة الدقم كما يرى العمانيون أنه سيساهم في تحويل منطقة الدقم إلى أكبر المراكز الصناعية والاقتصادية في دول المنطقة.

هذا المشروع وبهذه الضخامة والذي يقع على مساحة شاسعة تقدر بنحو ٩٠٠ هكتار وتبلغ تكلفته نحو ٧ مليارات دولار حتما سيغير الخارطة الاقتصادية للمنطقة، ويجعل الدقم واجهة جديدة لجذب المزيد من الاستثمارات الأجنبية في هذه المنطقة الوليدة والمتميزة.

وأذكر حوارا مع معالي يحيى بن سعيد الجابري رئيس مجلس إدارة هيئة المنطقة الاقتصادية الخاصة أوضح فيه إصراره مع فريقه بأن تكون الدقم أحد أهم المكونات الرئيسيّة لخطة الحكومة للتنمية والتنويع الاقتصادي، ومن خلال معرفتي بمعالي يحيى الجابري ومتابعتي للجهود التي تبذل لتحويل الدقم إلى منطقة اقتصادية عالمية مكتملة الأركان أجد معاليه يعمل على تحقيق رؤية الحكومة؛ لتوفير الحوافز الاستثمارية المتنوعة سواء تلك الحوافز المتمثّلة في الصناعات الثقيلة أو الخدمات اللوجيستية والتجارة والصناعة والسياحة وحتى الثروة السمكية.

جهود الحكومة في تشجيع الاستثمار بالدقم محفزة وتسيل لعاب الحكومات والشركات العالمية الجادة، فالحكومة العمانية تقدم إعفاءات ضريبية تمتد لـ٣٠ سنة قابلة للتجديد؛ وقلّ أن تجد هذه الميزة في المشاريع المشابهة في الدول الأخرى، كما تمنح المنطقة الاقتصادية بالدقم حق الانتفاع بالأرض لفترة زمنية تصل إلى ٥٠ سنة وتقدم حزمة من الخدمات للمستثمرين الراغبين في الاستثمار. في هذه المنطقة عبر المحطة الواحدة.

ما يميز الدقم عن غيرها من المناطق أنّها تقع في سلطنة عمان أرض الأمن والأمان والرخاء، وذات موقع استراتيجي من الطراز الأول؛ لوقوعها على بحر العرب وقرب خطوط الملاحة الدولية العالمية.

الدقم ستشهد خلال الخمس سنوات القادمة مرحلة انتقالية وستصبح قبلة للمستثمرين خاصة بعد اكتمال البنية التحتية، حيث ستوفر مساحات كبيرة من الأراضي للمستثمرين، وسيساهم المطار الجديد والذي من المتوقع تشغيله خلال هذا العام في جذب مزيد الاستثمارات التجارية والسياحية للمنطقة، ويدعم ذلك وجود ميناء متعدد الأغراض وحوض جاف لإصلاح السفن وشبكة متكاملة من الطرق.

المهم جدا وهذه رسالة نوجهها للمنطقة الاقتصادية أنّ تركز على إتمام الصفقات التي تم الإعلان عنها؛ ومنها مشروع المدينة الصناعية الصينية التي أعلنت أنّها ستستثمر نحو ١١ مليار دولار، ومشروع تصنيع الحافلات الذي سيقام باستثمارات مشتركة عمانية وقطرية.

هذه المشاريع العملاقة ستنقل الدقم إلى واقع فعلي ووجهة لاستقطاب رأس المال الأجنبي.

المتتبع للجهود التي بذلت وتبذل سيتوقف عند أهم المحطات في منطقة الدقم ومنها أن المنطقة شهدت خلال العام المنصرم التوقيع على نحو ٩٠ اتفاقية انتفاع وتطوير باستثمارات تقدر بأكثر من ٦١٠ ملايين ريال.

الأخبار المفرحة التي تأتينا من الدقم بين الفينة والأخرى تجعلنا كعمانيين نضع في الاعتبار أنّ هذه المنطقة ستكون رافدًا ودافعًا لحل مشاكل الباحثين عن العمل؛ فمنطقة بحجم الدقم وتلك المشاريع العملاقة التي ستقام على أرضها البكر ستوفر آلاف الوظائف لشبابنا العُماني، وستساهم تلك الشركات في تنمية هذه المنطقة، وأملنا أن تحقق الدقم الحلم وأن تكون مستقبل عمان المشرق.