رسائل حادثة الإسراء والمعراج‎

 

فيصل زاهر الكندي

تعد حادثة الإسراء والمعراج من أعظم الحوادث التي حدثت في التأريخ ففي هذه الحادثة أكرم الله تعالى النبي صلى الله عليه وسلم بكرامات عظيمة لم يكرم بها أحد من قبل ولا من بعد، فقد رأى النبي صلى الله عليه وسلم فيها من آيات ربه الكبرى وأهداه الله تعالى وأهدى أمته أعظم هدية وهي الفريضة العظمى، وجاءت هذه الحادثة في وقت حرج كان يمر بالنبي صلى الله عليه وسلم وبأصحابه الكرام؛ جاءت كرامة للنبي صلى الله عليه وسلم وتسلية له عما عاناه ولاقاه، جاءت لتقدم لنا عدة رسائل نختصرها في التالي.

 

أولى تلك الرسائل "إنّ مع اليسر يسرى" فبعد أن فقد النبي صلى الله عليه وسلم عمه أبو طالب الذي كان يحنو عليه ويدافع عنه وكذلك بعد أن فقد زوجته المخلصة الوفية خديجة رضي الله عنها التي كانت تخفف عنه المآسي وتصَّبِره وتقف معه وتؤازره وتحنو عليه ولم يكن الفاصل بين المصيبتين إلا ثلاث ليال فقط حزن النبي صلى الله عليه وسلم حزنا شديدا؛ ومما زاد الأمر تعقيدا هو ردة فعل أهل الطائف السلبية حين عارضوه ورموه بالحجارة بعد أن ذهب إليهم داعيا.. هنا تدخلت العناية الربانية والرحمة الإلهية باستعداد أهل السماء لاستقبال خير من مشى على الأرض وصاحب المقام المحمود والحوض المورود تطييبا لخاطره وتسلية له عن آلامه وأحزانه.

الرسالة الثانية "أهمية المساجد ودورها" فرسالة الإسلام مرتبطة بالعبادة، وأن المساجد خُصت عن غيرها من الأماكن بالعبادة؛ فهي بيوت الله تعالى في الأرض وزوارها عمارها والعبادة في معناها لا يقصد بها الصلاة وقراءة القرآن فحسب وإنّما أي عمل يراد به وجه الله تعالى؛ وهنا تتجلى رسالة المسجد تجاه المجتمع، فالمسجد يعتبر غرفة عمليات المجتمع، ففيه يجتمع أهل البلد ويناقشون قضاياهم ويعين بعضهم بعضا، وفيه تطرح الحلول للمشكلات، وفيه تقام حلقات العلم ودعوة غير المسلمين، وفيه تقام المحاضرات والندوات العلمية الأخرى التي تفيد المجتمع، وفيه تقام حلقات تحفيظ القرآن الكريم، وفيه تقام حملات التبرع للمشاريع الخيرية وإعانة الفقراء والمحتاجين وذوي الاحتياجات الخاصة وغيرها كثير؛ فالمسجد نور المجتمع.

الرسالة الثالثة "الصلاة وأثرها على الفرد والأسرة والمجتمع" وهي أعظم جائزة تلقاها النبي صلى الله عليه وسلم وعظمتها تتجلى في المكان والزمان الذي فرضت فيه، فهي الفريضة الوحيدة التي فرضت في السماوات العلا، وهذه دلالة على عظمتها ومكانتها وأثرها، فالصلاة هي الهواء الذي يتنفسه المؤمن والأرض التي يمشي عليها والعين التي يبصر بها والروح التي يحيا بها، فبدون الصلاة يصبح جثة هامدة؛ فالحياة بدونها لا معنى لها، والصلاة هي من تصلح القلوب وتقيم النفوس وتحل المشكلات وتوحد المسلمين وتمنع الشحناء والبغضاء وتزيل الفروقات والطبقات فيما بينهم.

إنّ صيام يوم الإسراء والمعراج لم يرد فيه دليل شرعي لا من القرآن ولا من السنة، فالصيام عبادة والعبادات لابد لها من دليل شرعي يدل على مشروعية تلك العبادة ولا دليل شرعي ينص على مشروعية صيامه ومن ناحية أخرى هناك خلاف حاصل بين العلماء في توقيت الحادثة وتصل هذه الأقوال إلى 12 قولاً فالصيام إذا ممتنع من جهتين من جهة عدم ثبوت دليل شرعي ومن جهة أخرى لم يرد دليل ثابت بتوقيت الحادثة إلا أنّ المشهور هو أنّه في رجب.

 

إن الاحتفال بذكرى الإسراء والمعراج لا يكون بسرد أحداثها فحسب أو بإلقاء القصائد والأناشيد وضرب الدفوف وتزيين الشوارع والمحلات وتوزيع الهدايا والحلويات؛ وإنما يكون بدراسة الحادثة دراسة مستفيضة وأخذ الدروس منها وتطبيقها في حياتنا اليومية لحل مشكلاتنا وجمع فرقتنا، ومواجهة المؤامرات التي تحاك لنا والأمة مطالبة اليوم بتوضيح هذه الرسائل للعالم فهو في أمس الحاجة إلى من ينقذه من المستنقع الذي وقع فيه، ولن يتحقق ذلك إلا بتوضيح صورة الإسلام الحقيقية ورسالته الخالدة للعالمين، تلك هي أهم رسائل حادثة الإسراء والمعراج وهذا هو دورنا وواجبنا تجاهها إن كنا فعلا نريد أن نحتفل بهذه المناسبة.