كأس السلطان.. لخزانة الشرق أم كنز اللبان؟

المعتصم البوسعيدي

تعُود الأضواء إلى نهائي الكأس الغالية بمقام من تسمت به؛ مقام السمو العالي وحضرة العلو السامي مولانا المعظم -أعزه الله- الراعي الأول للشباب والرياضة، التي نالت نصيبها من نهضةٍ فاض نعيمها وهاض بريقها راسيات العتمة، فاشتعلت مصابيح الازدهار في كل اتجاهات الجغرافيا والحياة.

لقد أصبح نهائي الكأس مناسبةً عظيمةً، تتفتح لها أشرعة الحروف نحو شواطئ أنديةً نالت شرف التنافس للحصول على درة العقد الكروي في السلطنة، تنافسٌ يفوح من عبقِ ستينياتِ القرنِ المنصرم؛ حيث عادت الطيور من الكويت الحبيبة إلى موطنها الحقيقي، وانصهرَ معها نادي الأهلي بنادي صحار بعد عامين من بزوغ فجر النهضة، والحكاية ذاتها -تقريبًا- في الجنوب؛ فبعد تأسس أول للنصر عام 1970م اندمج معه نادي الشاطئ عام 1972م، والناديان اليوم -أي النصر وصحار- يستعدان لكتابةِ فصل جديد من حكايتِهما وحكاية كرة القدم العُمانية.

ينطلق النصر من تمرس "ملكي" في النهائيات والبطولات، وما "الغبة" إلا مصدر طاقة يستمد منها سطوة عرشه الذي يفوحُ -أيضًا- برائحة اللبان هديةً من هدايا مملكة سبأ لنبي الله سليمان، وينبعُ من "أوفير" التاريخ التليد، وشواهد الحضارات في سمهرم والبليد، وحاضر الوطن السعيد، فصلاله تفاخر دون غيرها -ويحق لها- بميلاد عاهل البلاد المفدى، وتباشير الوعد الأول الذي به بر وأوفى، والنصر مع شقيقه الزعيم الظفاري وبقية الأندية يشكلون جزءا من تاريخ المحافظة والمدينة، ففي الشأن الكروي نجد للنصر خمس بطولات دوري، وأربعة كؤوس، ونخبة واحدة، إضافة لكأس مازدا، عدا بطولات الخريف والفئات السنية التي كانت خير سفير خليجي ذات يوم، والنصر نادي شمولي، ولنا في حصوله على كأس صاحب الجلالة للشباب حجة ودليل، أما النصر اليوم فيريد استعادة "جلبابه" الفضفاض، يقودهم لذلك ابن "المنوفية" وأحد أساطير "الدراويش" الإسماعيلية الكابتن حمزة الجمل، وعلى العشب الأخضر هناك "رحالة" الكرة العُمانية النجم يونس المشيفري ورفقاؤهِ الذين تقف خلفهم جماهير وفية متأهبة لتأديةِ "البرعة والنانه والهبوت" من "برج النهضة" وحتى "بيت المعمورة العامر"، وكل أرجاء المحافظة الخضراء بشجرها وناسها على حد سواء.

في الجانب الآخر، يقف صحار الذي ما عادت تماسيحه نائمة تحت الماء، فقد ظهرت بحماس منقطع النظير، وبشغف الحاجة "للافتراس" منذ وصولها إلى دوري المحترفين، وصحار ورغم تفوقه في رياضات أخرى، إلا أن كرة القدم ظلت مستعصية المُنى؛ لذا سيحاول هذه المرة قطف السحاب مستلهماً قوته من أمجاد مدينته التاريخية العريقة؛ فهنا "مجان"، وهنا "خزانة الشرق ودهليز الصين"، هنا سوق صحار الأدبي قرين سوق "عكاظ"، هنا كفوف الإسلام الأولى التي صافحت ابن العاص، هنا القلعة البيضاء، التي "تراقب الساحل وتحرس المدينة"، هنا "دستجرد" وهنا جبروت لم يلين لفيضانِ وادي صلان، ولا لزلالِ الأيام الغابرة، ولا لمعز الدولة وجنوده، هنا الوالي المنقذ والإمام المؤسس أحمد بن سعيد، هنا صحار وناديها الذي أخيرًا وصل؛ ليسعد "بهجة الأنظار"، ويشحذ الهمم "بالعازي" ويترنم "بالونه والقصافي"، هنا النطق السامي الزاهي على جيد المدينة "صحار المدينة العريقة التي تفوح من جنباتها عبق التاريخ العاطر، ويلوح في محياها ألق الحاضر الزاهر، ورونق المستقبل الناضر"، هنا رفقاء المعتصم الشبلي وخليفة الجهوري بقيادة المدرب "القديم الجديد" مراد مولاي، الذي ناشدته صحار بـ"نقل فؤادك حيث شئيت من الهوى/ ما الحب إلا للحبيبِ الأولِ"، فعاد سعيدًا رغم ما مضى ليقول: "كم منزل في الأرض يألفه الفتى/وحنينه دومًا لأول منزلِ"، عاد لعله يروي ظمأ السنين الخوالي، وعجاف القلوب التي غالبها الشوق للغيثِ المنتظر.

إن ما يسبق النهائي بدا لي -كما كنت أطالب به في كتابات سابقة- أشبه بمهرجان وطني؛ فهناك جهود مقدرة من وزارة الشؤون الرياضية والاتحاد العُماني لكرة القدم الذي عليه أن يحتوي الجميع، دون أن ننسى الألوان البراقة من الشاشة الفضية، علاوة على رفع الحوافز المالية، وتهافت التبرعات من الشخصيات والقطاع الخاص المعزِّزة لحضور الجماهير، هذه الجماهير التي يحق القول فيها "فالصمت في حرمِ الجمالِ جمالُ"، والدعم أيضًا مهم ومحفز لكيان الناديين العريقين، ويبقى أن يكتمل المشهد بمستوى فني جميل، وتنظيم وإخراج أنيق، وروح رياضة عالية. وعند صافرة الحكم النهائية سنعرف: إما احتضان "خزانة الشرق" لأول كأس، أو كأساً خامسة يضمها كنز اللبان.