منخفض المطير الجارف

 

سارة البريكية

sara_albreiki@hotmail.com

 

كان جارفًا للأحلام والطموحات الكبيرة وكان آتياً ليحمل معه أرواحا كانت تطلب العلم والسلام والأمل والحب وكان عدائيًا لدرجة أنه أخذ أطفالا في عمر الزهور من بيت واحد وكانت تسع جنائز تزف إلى الجنة في مشهد استثنائي في عمان لتتوالى بعدها لحظات الغرق ومشاهد الإنقاذ والبحث عن المفقودين والطفل والجدة والشيخ الذي فارق الحياة برفقة صديق عمره وقصص أخرى لا يعلمها إلا منخفض المطير.

كانوا أربع عشرة نفسًا ورغم التحذيرات بعدم المجازفة قرر ولي الأمر أخذهم سريعًا إلى المنزل ولكنه أخذهم إلى مثواهم الأخير اختيار الأسماء كان عجيبًا فهي أسماء مسجلة ومدونة بعناية استقلوا السيارة خارجين من المدرسة وبقي من بقي في المدرسة ذهبوا محملين بأحلامهم بوصول آمن وسريع قبل الجميع كانت مشاعر الفرح في البداية تسيطر عليهم لأنه سيسبقون زملائهم، ولكن بعد مرور دقائق كان الوادي في المرصاد تقدم نحوهم بسرعة البرق ولم يترك لهم خيارا هنا اختلط فرحهم بحزن وخوف ودموع وكان الفراق بينهم فأربعة نجوا وعشرة قضوا وكان الخبر الصعب على أبناء عمان والمدرسة التي أتوا منها محاولين الإسراع إلى المنزل والقرية والولاية والوطن بأسره وعند العثور عليهم وبعد محاولات كثيرة في البحث عن بصيص أمل أو بصيص حياة إلا أنهم صعدوا إلى السماء واحدا تلو الآخر فارقوا مقاعد الدراسة وأحضان الأمهات وخوف الآباء ذهبوا من هذه الحياة كلها ونحسبهم شهداء فهم غرقى ولأنَّ الغريق شهيد ولأنهم أطفال سبقونا إلى الجنة.

لكن الواقع كان شديدًا والمصاب جللا والحادثة التي لن تنساها الذاكرة البشرية والتعازي بالمصاب والأحلام المؤجلة وملابس العيد المعلقة على شماعات التعليق وأحذية أول عيد وعطر كانوا يتناوبون عليه ولعبة البلايستيشن وسجادة الصلاة وقلب أم وإخوة وأخوات وأب وجد وحزن مطبق.. كيف للحياة أن تعود كما كانت في أيام العيد وكيف لنا أن نعيد الساعات لنختصر ما حدث وكيف يجب أن يكون القرار بعد صدور التحذيرات وكيف لي أن أقرر بكلمة واحدة: لا مدرسة اليوم!

لكن الساعات والأيام والشهور والدقائق لا تعود ولكن القدر كان حاتما أمره ولأنَّ السيارة البيضاء المتحطمة كانت لها كلمة الفصل الأخيرة ولأنَّ المطير كان جارفاً بكل معنى الكلمة ولأن الحكاية قد تحكى لطفلة صغيرة تحاول أن تنام على شكل قصة قصيرة وهي كان يا ماكان في حديث الزمان وكان هناك أسرة مكونة من أربع عشرة روحا تلاشت في الكتب المنسية وفي دواوين الشعراء وقصائد الرثاء وفي دمعات الأطفال الذين سيضطرون أن يذهبوا إلى المدرسة ولا يجتمعون بزملائهم مجدداً ماذا عن الغصة التي لن تفارقهم زمنا طويلاً ماذا عن الدمعة التي ستسقط وماذا عن كسرة القلب وهم يتأملون كراسي زملائهم الذين رحلوا !! اه كم الموقف صعب وحزين وكم هي كبيرة على أطفال غصة القلب.

ما حدث في النهاية قضاء ولكن يجب على كل المسؤولين مراجعة أنفسهم واتخاذ القرارات اللازمة لحل مشاكل تصريف المياه والأودية فلو كان هناك تصريف وشوارع مهيئة لما حدثت كل تلك الخسائر لذا فلننظر لما حدث ولنعتبر ليست المشكلة الآن بالإجازة ولكن المشكلة تكمن في التصريف الصحيح وفي الشوارع المهيئة والمدن الحديثة ولو كلفنا الأمر للبناء مجددا فلنبنِ ولنقم دولة عصرية بكل المقاييس فالأنفاق والسدود والتصريف الآمن والعمل لخدمة عمان وأبناء عمان ليس لمرة واحدة وإنما عمل دائم ولنفكر في الخلل جيدا ومحاولة إصلاح المشكلة من جذورها فهذه المشاهد تتكرر باستمرار لم لا نصل لنقطة النهاية ونحد من تلك المشاهد ونبني ونفكر ونعمل ونجتهد فأبناء عمان قادرون على إحداث الفارق.

حفظ الله عمان وجلالة السلطان والعزاء كله لأسر الضحايا الشهداء.