د. سيف بن ناصر المعمري
النجاح لا يمكن أن يتجادل فيه اثنان، والفشل لا يمكن أن تخطئه العين، ووراء أي نجاح تقف إدارة واعية تعرف الأهداف التي يجب أن تحققها وتعمل عليها باستمرار. أمّا وراء كل فشل وأمامه وخلفه ومن فوقه أو تحته فتوجد إدارة لا تكترث للأهداف ولا للأشخاص ولا لأي شيء؛ يعنيها الكرسي الذي إن لم يكن حديثا وكبيرًا ودائريا فإنّ الإدارة لا تملأ من وجهة نظرها مركزها. ووراء نجاح أي مجتمع دائما إداراته، فتش عن الإدارات وأشخاصها تعرف أين يتجه مجتمع ما.
وما أكثر الخطط التي حرم منها مجتمعنا نتيجة فشل الإدارات التي لها قبيلتها الكبيرة التي تعمل دائمًا على قلب الفشل إلى نجاح على الأقل في رأس هرمها. فالنجاح إن لم يكن حقيقة لابد أن نجعل منه حقيقة، هكذا تمضي إدارات في مختلف المواقع تعيق الانطلاقة الحقيقية لأي فعل تنموي تقدمي؛ لأنها تعتقد أنّها أوتيت من بعد النظر ما لم يؤت لبقية الناس، وتعتقد أنّها إن لم تستبد بالقرار وتستفرد بالتخطيط وتحتفظ بالمعلومات فإنّ النتائج ستكون فادحة، تنصب نفسها لحماية الفشل الذي قد يُقرِّبها من النجاح الذي لا تريده لأنّه قد يجلب معه مضار لا تريدها.
وتمضي كثير من الإدارات الصغيرة والكبيرة تتبادل كراسي الإدارة، ومعها تتبادل الفشل الكبير الذي يولد إشكاليات على جميع المواطنين أن يدفعوا ثمنها ويتحملوها.
السؤال الذي يطرح نفسه في ظل الانتباه لمسألة الإدارة من قبل الحكومة، والبرامج المختلفة التي تعمل عليها الآن لتهيئة مديرين استراتيجيين يعلمون على النهوض بمؤسسات وفق أسس حديثة للإدارة، لماذا الإصرار على وضع أفراد معينين تنقصهم مهارات القيادة والإدارة والشفافية في مراكز اتخاذ القرار؟ ألا يعرف حجم الهدر المالي والاقتصادي الذي نتج عن ضيق أفق الإدارات وترددها وعدم استباقية مبادراتها وقراراتها؟ البعض لا يزال يحمل علامات استغراب كبيرة ومنهم هذا الشاب الوطني الذي يحمل أعلى المؤهلات والذي كان يدير قطاعا حيويا في مؤسسته، وترشح ليدير قطاعا أعلى، ودخل من أجل ذلك في اختبارات ومقابلات عدة مع فريق متخصص وتفوق على نظيره الذي كان يتمتع بدعم قوي ليس من خبرته ومؤهلاته وإنّما من مصادر أخرى ربما أهمها الخلفية الاجتماعية التي يحتلها، وفي النهاية انهزمت المؤهلات ونتائج الاختبارات وانتصرت إرادة تمكين الفشل. وفي الواقع أشعر بحزن كبير جدا للمآل الذي وصل إليه هذا الشاب العصامي والذي أثبت نجاحه، فبعد تزايد المضايقات من قبل المدير الجديد الذي تفوق عليه من حيث الدعم الخفي قرر أن يخرج من المؤسسة التي شارك في بنائها في مرحلة حساسة تمر بها، آثر أن ينجو ويترك المؤسسة تعوم في بحر مضطرب من التحديات وتغرق شيئا فشيئا، وكلما غرقت رمت بفرد آخر من موظفيها الجيدين، ورمت بجزء من أهدافها لكي تخفف وطأة الفشل الذي تمر به، أليس مؤلما أن يحدث هذا هنا وهناك دون أن يكترث أحد، هل استمرأنا طعم الفشل، وأصبح مذاقه لا يعادله أي مذاق لدينا، ونحن نفكر هنا وهناك كيف سنتعامل مع أوضاعنا الاقتصادية وكيف سنعزز من قوتنا؟ أليس وجود هذا العدد من المحسوبية في إيصال مديرين فاشلين إلى مراكز اتخاذ القرار يعد إضعافا للبلد، وتبديدا لمشاريع مؤسساته؟
يقول إدوارد ديمنج "أننا نتعرض للخسارة بسبب بذل بعض الناس لأفضل الجهود ولكن في الاتجاه الخاطئ"، فكم من جهود تبذل في الاتجاه الخاطئ من قبل المؤسسات لا لهدف إلا إرضاء مدير لا يكترث إلا لرأيه، وكم من موارد بشرية لديها مؤهلات عالية ودافعية للإنجاز والابتكار وحل الإشكاليات توظف إمكاناتها في اتجاه خاطئ لا لشيء إلا لأن المدير الذي وضع عليهم لا يرى أي قيمة لهم، وكم من الموارد بددت نتيجة هذا النمط من الإدارة التي تتسلل إلى كل المؤسسات وكون ثقافة جديدة في كل مؤسسة تقوم على معايير شخصانية لا وظيفية، وعلى علاقات محسوبية لا علاقات كفاءة ومعرفة، هل يمكن أن نوقف كل هذا التمدد لوجود هؤلاء ممن يزرعون عقليّة رجعيّة في مؤسساتنا التي يجدر بها أن تكون نموذجا في المنطقة؟ هل يمكن إخضاع هؤلاء المديرين بشكل سنوي للتقييم ووضعهم تحت الملاحظة الإدارية كما يوضع الموظفون لديهم ويحاسبون نتيجة تقارير غير موضوعية تحكم على الشخص لا على عمله، وتمنح كل مؤسسة يتزايد فيها عدد المديرين الذين يقعون تحت الملاحظة لكي تحسن من اختيارات وتقترب من الموضوعية والشفافية في الاختيار.
حين نفكر في تعيين الإدارات يجب أن ندرك أننا إمّا أن نخطط للنجاح أو أننا نخطط للفشل، كيف نطالب من لا يملك عقلية النجاح ودافعيته أن يحققه لنا، هل اختلط علينا تمييز النجاح من الفشل في إداراتنا بعد كل ما نراه من ترحيل الإشكاليات وتجاهلها، على الرغم من مسؤولية المؤسسة اليوم ليس التعامل مع الواقع إنّما التنبؤ بما قد يحدث في المستقبل وتجهيز المعالجات اللازمة له.