من الهوموسابيان إلى ترامب: لماذا يفشل الأفراد وتنتصر المؤسسات؟

فوزي عمار

في مفهوم الدولة من السهل أن ننسى حقيقة بسيطة لكنها مصيرية: لا تبنى الدول بالعباقرة أو القادة الملهمين، بل بالمؤسسات التي تُحوّل طاقات الأفراد إلى نظام دائم. التاريخ لا يتذكر مصر بسبب ذكاء فرعون، بل بسبب بيروقراطية الدولة التي بنت الأهرامات.

واليوم، لا تُقاس قوة أمريكا بذكاء ترامب، وبالمناسبة، لا يختلف ذكاؤه كثيرا عن نوع الهوموسابيان وهو بداية تطور الانسان، بل بمؤسساتها وصناعتها وبدستورها وقضائها واقتصادها الذي يحوّل حتى شخصياته الأكثر إثارة للجدل إلى مجرد ظواهر عابرة في مسيرة دولة عابرة للقرون.

لبنان خير دليل على هذه المفارقة

فبينما يُبرع اللبنانيون كأفراد، لقد وصلوا إلى رؤساء دول في أمريكا اللاتينية، وقياديين في أوروبا، وروّاد أعمال في أفريقيا، يظل وطنهم نموذجًا للفشل المؤسسي.

المواطن اللبناني نفسه الذي يُدار بهيبة في فرنسا والبرازيل يصبح عاجزًا أمام فوضى بيروت. لماذا؟ لأن النجاح الفردي، مهما بلغ، لا يعوّض عن غياب المحكمة العادلة، أو الحكومة الخاضعة للمساءلة، أو القانون الذي يُطبّق على الجميع.

الذكاء يبني ثروة ونجاحا فرديا، لكن المؤسسات وحدها تبني دولًا.

فالمؤسسة هي التي تعطي صفة الدولة الناجحة أو الفاشلة، المؤسسات الناجحة تخلق الدولة المتحضرة.

وهنا نصل إلى مغالطة أخرى: الخلط بين "المدنية" و"الحضارة" فنحن ننظر إلى شوارع نيويورك اللامعة، فنعتقد أن ساكنها أكثر "تحضرًا" من فلاح في موريتانيا يعيش حياة بسيطة لكنها مستقرة.

الحقيقة أن الأولى تعج بالجريمة والتفكك الأسري، بينما الثانية قد تحمل قيم التضامن والسلام. لكننا نقع ضحية "الهالة" التي تصنعها الآلة الإعلامية للدول القوية وماكينة البروبغندا، فنتخيل أن التقدم التقني يساوي تفوقًا أخلاقيًا. حتى ترامب نفسه، لو وُلد في بلد ضعيف، لربما انتهى به المطاف ديكتاتورًا منبوذًا، لكن المؤسسات الأمريكية (رغم كل عيوبها) حوّلت خطاباته الصادمة إلى مجرد فصل في مسيرة ديمقراطية عتيقة. 

أخيرا نقول: إن الحضارات لا تبنيها عبقرية الأفراد، بل إصرار الشعوب، على أن تكون مؤسساتها خادمة للصالح العام لا لحفنة من النخب. والمجتمعات التي تريد النجاح يجب أن تتوقف عن انتظار "البطل المنقذ"، وتبدأ في بناء المحاكم التي لا تُرشى، والوزارات التي لا تُسرق، والجامعات التي لا تُزوّر. ونجاح المؤسسات هو من يُنجح الدولة وهذا النجاح ينعكس على المواطن إيجابيا بلا شك. هذا هو الدرس الذي تعلمناه منذ الهوموسابيان إلى ترامب، ومن الأهرامات إلى ناطحات السحاب.

الأكثر قراءة