التاريخ الخالد وخرائط التزوير

عبدالله العجمي

إن الحفاظ على التاريخ بكل ما يحتويه من إنجازات حضارية وخبرات إنسانية ومواقع أثرية، مسؤولية وطنية واجتماعية وإنسانية، نابعة من ضرورة الانفتاح على كل محتوياته ليتم التفاعل معها بطريقة إيجابية، نخرج منها وقد استوعبنا دروسه ودرسنا عِبَرَهُ، ليتّسع أفق وعينا وعميق فهمنا لحاضرنا الذي نعيشه، ونستند إلى أمتن الركائز لشق طريقنا نحو المستقبل.. ولعل جهل البعض بقدسية التاريخ وأحداثه، جعله أسيراً لوقائع كبَّلت أياديه بمجموعة من الحقائق التاريخية التي شلَّت فِكره وأقعدته على كرسيٍّ لا يستطيع حرف بوصلته إلا بتزوير تلك الوقائع.

إن فهم التاريخ وتدوينه ليس بالمهمة السهلة؛ فهو مهمّة تحتاج اطلاعا واعٍيا وحيادية في الفهم، وموضوعية في الاستقراء، وإلا فإنَّ الوقائع ستكون فاضحة لأي انحراف في التدوين، وستظهر صور بعض الأحداث مشوّهة وناقصة، وستَشِي بعض الأحداث ببعضها، خاصة إذا ما عرفنا أنها أحداث مترابطة ومتعاقبة تُنبئ أولاها عن آخراها.

حان الوقت لأن يقوم المختصون في التاريخ بشحذ الهمم والوقوف سدًّا منيعًا أمام كل محاولات التشويه والتحريف لبعض الوقائع والأحداث التاريخية من خلال ردود موضوعيّة دقيقة وعميقة.. وكم نحتاج -وبقوّة- إلى إعادة صناعة الوعي بهذا التاريخ، وتصحيح ما أرادت السياسة تحريفه، كي نبدأ مرحلة حيوية جديدة يتحمل كل منا مسؤوليته في الذود عن مكتسباته، ويتم تصويب كل تلك التحريفات السابقة لهدف إنتاج جيل متفاعل مع تاريخه، ويتحرَّك -صعوداً- في جميع مجالات حياته منطلقاً من وقائع هذا التاريخ.

وليعلم الجميع أننا لا نريد تأسيس منهجية جديدة في تدوين التاريخ، بقدر ما نحاول تبسيط وقائعه بلغة عصرية نغوص في عمقها ونؤصّلها في عقول أبناء هذا الجيل وما بعده من أجيال.. كي تتفطَّن هذه الأجيال لما يمكن أن تحدثه السياسة من تحريف لبعض مساراته، نحتاج لأن ننتقل من المنهجية المعتمدة على سرد حرفي جافّ لبعض وقائعه إلى منهجية تجعل منه حيويًّا يتحرك في واقعنا، ثم ننطلق بعدها لاستكمال المسيرة التي بدأ بها الأسلاف. لكن علينا أن نبدأ من الآن، ونتحرّك قبل فوات الفوت، فمن أهم مسؤوليات الإنسان صناعة حاضره وبناء مستقبله والحفاظ على تاريخه ، لذي بُني على قواعد الوعي به، ليُسهم كل ذلك في ترسيخ تاريخنا بمسؤولية وعزيمة وصبر، وينبغي ألا نكون حياديين نمارس الدور السلبي المُحبِط ومحاولة تهدئة النفوس والطبطبة على الأكتاف والمجاملات التي سيسألنا الله عنها وعن دورنا في هذه المرحلة.

ليس من المعقول أن نقف موقفَ التهدئة والحياد والنهش قد وصل ساحتنا؛ إذ لا مجال لأن نكون الأمة التي تحاول العيش بلا مبالاة أمام كل هذه التحديات، حتماً سوف نُسأل يوماً عن كل ما أهملناه من واقعنا.. فلكلٍّ منا مسؤوليته في هذا الجانب؛ لأن موضوع هذا التاريخ هو موضوع شعب بأكمله، لا موضوع فرد بذاته.

هناك مقولة خالدة تلخص الواقع الذي نعيشه وتمادي البعض بالاستيلاء على ما ليس له بسبب سكوتنا، فلم تكفهم محاولات تزوير التاريخ، بل وصل التزوير إلى الجغرافيا؛ حيث قال سيدنا علي بن أبي طالب: "‏حين سكتَ أهل الحق عن الباطل، توهّم أهل الباطل أنهم على حق!".

وبرأيي، فإن الوضع الراهن يحتّم علينا الاصطفاف إما خلف الحق أو الباطل.

ويأبى الله إلا أن يحقّ الحقّ بكلماته. اللهم هل بلّغت.. اللهم فاشهد.