كأس النهار.. حكاية انتصار

المعتصم البوسعيدي

من "الكوت" المنيع والشاطئ الوديع إلى الحضارة "الهلينستية" في "إلكاروس" أو "أفانا" أو "فيلكا" على اختلاف مسمياتها، من "رائحة الدم" في "جبل واره" إلى الفتح العظيم في "ذات السلاسل"، من غُزاةٍ "برتغاليين" غاشمين إلى علاقة "القرين وكاظمة" مع البطل الإمام العُماني "ناصر بن مرشد"، من غرق "الطبعة" إلى "مبارك الصباح الكبير" مؤسس الكويت الحديثة، من وطن "النهار" إلى "صباح" الإنسانية؛ حيث ابتسامةً حانيةً باعثةً للطُمأنينةِ والسلام، من كل هذا وأكثر كانت حكاية "الكويت" انتصارًا لا زال مستمرًا ـ ولن يتوقف ـ بإذن الله.

لقد فاضَ الحبر ذكرًا في خليجي 23، البطولة التي قدمت دروسًا تعدّت الإطار الرياضي؛ فالكويت أغتنمت رياح رفع الإيقاف عن رياضتها المستديرة باستضافة استثنائية لملمت بها بعثرة الخليج ولو بشكل نسبي، وعبّرت عن قدرةِ إنسانها العالي في خوضِ التحديات الجسام، ومنحت الأشياء الجامدة حركة وحياة، وكرست كل الطاقات لضيوفها ببذخ الأخلاق النقية، والصدور الرحبة، والأرواح المتفانية، فكان "إستاد جابر الأحمد الدولي" لؤلؤة الصياد الصبور، وسوق "المباركية" أمنية العاشق المسرور، "وأبراج الكويت" محراب المصور المشهور، "والديوانيات" أدب العقل وزاده المشكور، أمّا الأطفال فكانوا كمن يحتفل "بالقرقعان" بصفة عكسية؛ فهم عنوان العطاء لا السؤال، شجاعتهم هربَ منها "الطنطل" المزعوم "وأم السعف والليف"، وما عاد "لحمارة القايلة" مكان، فلا مكان إلا للجمالِ والأعياد، وأكل "القريش واليريش والهريس"، ونثر "العرفج" على الجميع دون استثناء، فهنا الكويت؛ حيث ريشة "معجب الدوسري"، ومسرح "زكي طليمات"، ودراما "درب الزلق"، وموسيقى "العود والمرواس والتصفيق"، هنا الكويت بمتاحفها الناطقة عن تاريخ تليد، وعلمها الغزير المتدفق، وفضاء حريتها الجريئة، وأزرقها الكروي الراوي عن زعامة خليجية صعبة المنال.

إنّ المتأمل في بطولة خليجي 23 سيرى ـ رغم بعض الأحداث المؤسفة وسموم القطيعة المؤلمة ـ حقيقة الرياضة التي تجمع ولا تفرق، وحقيقة الشعوب التي تسعى بكل قوتها ـ عندما يتاح لها ـ للتآلف لا التنافر، وحقيقة أنّ "خليجنا واحد، وشعبنا واحد"، وحقيقة أنّ منتخب عُمان استحق اللقب دون غيره، ربما ليس لأفضليته الفنية في هذه البطولة فقط؛ بل "للكيمياء" التي تربط عُمان بالكويت، من سلطان حكيم لا يُضاهى في إنسانيته، إلى أمير إنساني لا يُعلى على حكمته، ثُمَّ ذاك الانصهار الروحي بين الشعبين المرتفع ـ صدّق أو لا تصدّق ـ بالسقوط!!، ولتسألوا الحاجز الزجاجي الذي أطاحَ بفرحة الجماهير العُمانية إلى فرحة أكبر بمستشفيات أقرب لمنازلِهم؛ حيث الحرص الأبوي وحنان الأم العظيم، دون أن ننسى تلاقي الخليج رغم شتاته مع الكويت وعُمان؛ بزرعٍ خجول لفرحةٍ يمانية هاربة من سطورِ الأيام القاسية، وسعادة صغيرة مختبئة تنتظر صرخة خلاصها لعملاقٍ حضاري يُسمى العراق.

وفي الشأن الكروي العُماني، ورغم عدم التفاؤل بالمنتخب الوطني ـ وأنا أولهم ـ قبل البطولة نظرًا للمؤشرات التي كانت تُنبئ عن مشاركة خجولة، إلا أن "بيم فيربك" ولاعبيه قدموا لنا درسا قديما متجددا عنوانه "لا يأس مع الحياة"، فصدحت عُمان "بعازي" فخرها، وتباهت "بهبوت" عزها، على أنّ الفوز بكأس خليجي 23 ليس فوزًا في ترتيبِ المراكز فحسب، بل فوز تسجله سطور حكاية القلوب البيضاء المتسامحة، وقصة حمامة سلام "نائحة" وجدت في هذه البطولة فارسها وشاعرها الأسير، فشكرًا لاتحاد الكرة بأجهزته الإدارية والفنية واللاعبين، وشكرًا للجماهير العُمانية عامة والرابطة بشكل خاص التي كانت بشهادة الجميع "ملح" البطولة، وشكرًا للإعلام الرياضي العُماني الذي لا يعرف لغة "الصخب والضجيج"، والشكر لله من قبل ومن بعد أن جعل في وطن "النهار" أغلى وأجمل انتصار.