التأثيرات السلبية للمسابقات العلمية وطرق التغلب عليها

أ.د/ أسامة إبراهيم – أستاذ علم النفس الإبداع – جامعة سوهاج

 

يمكن أن يكون للمسابقات العلمية بعض التأثيرات السلبية المحتملة على الطلاب والتي يمكن أن تنشأ عن شدة المنافسة، وكذلك عن التطبيقات غير السليمة أو عدم اتخاذ الإجراءات والتوجيهات الضرورية أثناء تنفيذ المسابقات. ويعتبر التوتر ومشاعر الفشل أحد النتائج المتوقعة للمنافسة الشديدة. وعلى الرغم من أن النجاح في المسابقات يمكن أن يساعد على تحفيز الطلاب، ويجعلهم يسعون إلى المزيد، لكن الفشل في تحقيق النجاح أو البحث عن الكمال Perfectionism يمكن أن يكون ضارا. ويمكن إرجاع هذه التأثيرات السلبية إلى التخطيط الضعيف للأهداف التنافسية.
ويُعتَقد أن المنافسة الشديدة والتركيز الكبير على الفوز يمكن أن تكون له آثار ضارة جدا. لذا يتعين تشجيع الطلاب على التنافس مع أنفسهم من أجل تحسين الذات. ومن المهم تعليم الطلاب كيفية التعاطي مع خبرات الفوز والخسارة بطريقة ملائمة.
ويمكن القول إن المسابقات تتيح الفرص أمام الطلاب لتنمية التميز الشخصي والمهني. فضلا عن ذلك فإنها تصمم بوصفها وسائل للاعتراف والتطوير والاحتفاء بالتميز، وبالتالي يمكنها تحسين الصورة الذهنية عن الطلاب الموهوبين وحاجاتهم الخاصة. ولن تكون المسابقات بحكم طبيعتها شمولية أو مناسبة بالقدر نفسه لجميع الطلاب. وتحقيقا للمساواة يجب أن يقدم الدعم للطلاب والمدارس التي لا تسمح ظروفهم بالمشاركة في هذه المسابقات نتيجة لتواضع إمكاناتهم المادية.
ويتعين على المدارس والمسئولين لإنجاح تنفيذ المسابقات الخاصة بالطلاب الموهوبين الأخذ في الحسبان ما يلي:
(1)    التخطيط الفعال والمنسق ، والإشراف على مشاركة الطلاب في المسابقات.
(2)    الاختيار الدقيق للمسابقات على أساس الفهم الشامل لأغراضها وإجراءاتها، فضلا عن تحديد القدرات الخاصة بالطلاب على نحو فردي.
كما ينصح بتوجيه الطلاب التأمل في الأسئلة التالية بعد تجربة التنافس:
(1)    ما الذي تعلمته؟
(2)    ما الذي عملته بصورة صحيحة؟
(3)    ماذا كان بإمكاني أن أفعله بصورة أفضل؟
(4)    ما الذي أحتاج إليه كي يصبح أدائي أفضل مستقبلا؟
هذه بعض الأمثلة التي يمكن تشجيع الطلاب على طرحها، ويمكن التوسع فيها لتشمل جوانب أخرى أكثر تنظيما مثل إدارة الوقت ، والتخطيط، والعمل الجماعي، وحسن الاستعداد، العزو السببي للجهد، والاتجاهات الإيجابية، كل ذلك من أجل التحسين من المشاركة في المستقبل، وتقليل الأثار السلبية، والتجويد من السمات الشخصية.

كيف نتعامل مع التأثيرات السلبية للمشاركة في المسابقات؟
في الأولمبياد المحلية والدولية، كيف لنا أن نساعد الطلاب المتنافسين على التغلب على مشاعر التوتر والفشل التي تنتج عن أو تصاحب المنافسة الشديدة. بالتأكيد، قد يكون التركيز الشديد على الفوز له آثار ضارة على نفسية بعض الطلاب وعلى مفهوم الذات في حالة الفشل أو عدم التوفيق، فالنضج العقلي ليس بالضرورة يتوافق مع النضج الانفعالي لدى الطلاب الموهوبين.
هذه بعض المقترحات التي يمكن للقائمين على التعامل الطلاب أخذها في الاعتبار في مرحلة الإعداد للأولمبياد:

(1)    إعادة تشكيل أهداف المسابقات، وأن يفهم الطلاب أن المسابقات تهدف بالأساس إلى التعرف على المواهب الخاصة، والعمل على تنميتها لدى الطلاب وليست مجرد الفوز. هذا قد يقلل من إحساس الطلاب بالتوتر في حالة عدم تحقيق الفوز.
(2)     يجب أن تتضمن أهداف المسابقات تنمية المهارات والاتجاهات المتعلقة بالطرق المختلفة للتنافس البناء، والاستجابة بصورة مناسبة للمواقف التنافسية.
(3)     تقديم تدريب خاص للطلاب لمساعدتهم على التغلب على التوتر ومشاعر الفشل ضمن خطة إعداد وتدريب الطلاب.
(4)     تشجيع الطلاب على التنافس مع أنفسهم (تحدي الذات) وليس مع الآخرين من أجل تحسين الذات.
(5)     تعليم الطلاب كيفية تفسير الفوز والخسارة بصورة ملائمة.
(6)     تنتشر مشكلة الكمالية Perfectionism لدى العديد من الطلاب لموهوبين، وأي فشل ولو صغير يؤثر على مفهومهم للذات كثيرا، يجب توجيه الطلاب في هذا الموضوع.
(7)     يجب التعامل مع الأفكار الخاطئة التي قد تتشكل لدى البعض فيما يتعلق بالتحيز وعدم المساواة في إتاحة الفرص.
(8)     التأكد من أن جميع المدارس تلتزم بالإجراءات السليمة لترشيح الطلاب للمسابقات من خلال عملية اختيار شفافة، حتى لا يكون لدى أي طالب أي إحساس بالتمييز أو عدم العدالة.
(9)     وأخيرا يجب عدم إهمال الطلاب الذين لم يفوزوا، فعدم الفوز لا يعني أنهم غير موهوبين، وإيجاد قناة لمتابعة هؤلاء الطلاب بعد انتهاء المسابقات، خاصة الذين كانوا على حافة الفوز ولم يحالفهم الحظ. يجب أن نواصل متابعة رعاية هؤلاء الطلاب سيكولوجيا حتى يجتازوا صدمة ما بعد الفشل (أو الإخفاق) حتى نجنب أبناءنا الآثار الجانبية المحتملة للمشاركة في المسابقات.
ويتعين على المدارس والمسئولين عن المسابقات بشكل خاص الاهتمام بما يلي:
(1)    تطوير معايير مفتوحة وشاملة وشفافة لاختيار الطلاب الموهوبين في المسابقات في ضوء أهداف كل مسابقة وطرق التحديد.
(2)     تزويد المسابقات الناجحة داخل المدارس بالدعم المادي والبشري المناسب
(3)     تحقيق التوازن في الفرص والاعتراف الخاص بالمسابقات في المجالات جميعها ، بدأ من المجالات الأكاديمية، إلى الآداب والفنون الجميلة، والقيادية.
(4)     تقويم فعالية المسابقات في تلبية احتياجات الموهوبين
(5)     تقويم إجراءات التنفيذ للتحقق من الحد من الآثار الجانبية السلبية التي قد تنشأ من حدة التنافس وعدم الاهتمام بتأهيل الطلاب النفسي للمشاركة.
كلمة أخيرة:
إن المسابقات هي أحد أفضل الطرق الإثرائية للتعرف على الطلاب الموهوبين ورعايتهم، فهي أسلوب مناسب لجميع  الطلاب والأعمار، بشرط التعامل الجيد وإعداد الطلاب نفسيا وشخصيا للتعامل مع التأثيرات  الجانبية المحتملة (مثل الكمالية، والإحباط، ومفهوم الذات، والتعامل مع الفشل)، وتجهيز الطلاب وتنمية أساليب موجهة الضغوط ، وتعزيز مفهوم الصمود النفسي (الصمود هو أحد البناءات الكبرى في علم النفس الإيجابي هو و المنحى الذي يعظم القوى الإنسانية باعتبارها قوى أصيلة في الإنسان).
إن هناك حاجة ماسة لإجراء بحوث تجريبية كمية ونوعية لتحديد مدى فاعلية المسابقات وتأثيراتها، خاصة فيما يتعلق بالجوانب الاجتماعية والوجدانية والفكرية والإبداعية والثقافية للموهوبين، وكذلك تأثيرات المسابقات على خبرات التنافس ومفهوم الذات، وتصورات الآباء والمعلمين وأفراد المجتمع تجاه المسابقات. كما أن هناك حاجة لإجراء دراسات تتبعية لبحث أثر المسابقات على المدى البعيد للمسابقات الناجحة على الطلاب الموهوبين. ومن المهم أن تجرى هذه الدراسات على مدى واسع للممارسين، تشمل المدرسين والمدربين وأولياء أمور، ومدى تلبية هذه المسابقات لاحتياجات الموهوبين. هذا بالإضافة إلى تقويم الممارسات الفعلية المتبعة للتأكد من جودة الممارسة ومحاولة تضمين المسابقات لأفضل الممارسات للتغلب على التأثيرات السلبية المحتملة.

تعليق عبر الفيس بوك