المواصفات المطلوبة للمسؤول الحكومي

◄ على المسؤول أن يثق في موظفيه ويمنحهم مساحات للتحرك والإبداع وإثبات الذات

خلفان الطوقي

كنت استمع قبل أيام للقاء إذاعي مع مسؤول حكومي ألماني، حيث كان المذيع يقول له: لماذا كل هذا القلق وألمانيا سجلت معدلات نمو عالية ونسبة بطالة مُتدنية، ووضعها السياسي والاقتصادي ممتاز، فأجابه المسؤول وقال: صدقت فيما قلت، لكن ذلك كله لا يكفي، فنحن نعمل لتكون ألمانيا في الصدارة والمقدمة وننافس أنفسنا إن لم نجد من ننافس، وهذا يتطلب عملا دؤوبا يمكن قياسه وتقييمه، وقيادات واعية ومؤهلة تعي معنى الصورة المتكاملة التي تتناسق مع الرؤية ومؤشرات الأداء الموضوعة سلفًا.

قصة أخرى حصلت لي قبل عدة أعوام وكانت مع أحد الأصدقاء اليابانيين والذي أكمل أكثر من عشرين عامًا في العمل، التقيت به أثناء التحاقه ببرنامج مهني مكثف لمدة عام وباللغة الإنجليزية التي لا يتقنها بالشكل المطلوب، فسألته لماذا كل هذه المعاناة والصبر والتضحية، فأجابني بأن بلده تمول بعض البرامج المهنية والتدريبية التي ترى أن هناك نقصًا فيها وتحديات مستقبلية ولا يمكن مواجهتها إلا بالاستعداد المناسب من مؤهلات وقدرات ومهارات، ولا يمكن لنا أن ننتظر حتى تقع الفأس في الرأس.

 

هاتان الواقعتان حدتا بي إلى التفكير في ما هي المواصفات المطلوب توفرها في المسؤول الحكومي ليضمن لعُمان وأهلها وسلطانها تحقيق ما يصبون إليه، فعُمان أكملت مشوارا طويلا من تكوين دولة المؤسسات التي يرعاها مولانا السلطان قابوس- أطال الله في عمره- فما تحقق يُعد مقبولاً ومرضياً، لكن التحدي الأكبر يبقى حاضرا، وهو كيف نستمر في العطاء والإنتاج والتنمية المستدامة.

 

أمنياتنا أن تكون بلدنا في المقدمة والصدارة، وأطماعنا البشرية لا تكتفي بالموجود، فتظل تبحث عن الأفضل والأحسن وهذا شيء طبيعي، ولا يمكن أن يتحقق ذلك إلا بتحويل الأمنيات إلى واقع، ولا يتحقق ذلك إلا بوجود مسؤولين حكوميين لهم مواصفات خاصة واستثنائية لمُجابهة التحديات ومواكبة المتغيرات، فأهم هذه الصفات كما أراها ويراها كثيرون التقيت بهم قبل كتابة هذه المقالة كاستفتاء شفهي هو أن يكون شخصية عصرية لا تكتفي بالموجود بل تتطلع لكل ما يثري ويسهل حياة البشر، مستمعًا جيدًا ويمكنه تحويل الأفكار إلى واقع، ومتمكنا من إدماج كافة الموظفين والاستفادة من إمكانياتهم وقدراتهم مهما كانت الصعاب، لا يتصف بالأنانية ويقدر جهد الآخرين، ويذكرهم عند المسؤول الأعلى، يتجاوز ويترفع عن الشخصنة ويركز على الجوانب الإيجابية في موظفيه، يثق في موظفيه ويمنحهم مساحات للتحرك والإبداع وإثبات الذات، لا يستسلم عند رفض المسؤول الأعلى للأفكار والمبادرات الخلاقة، بل يلح بطرق دبلوماسية على أن تتحول أفكار موظفيه إلى واقع معاش يضمن لهم الاندماج والولاء والانتماء وديمومة ارتفاع المعنويات.

المسؤول الحكومي العصري يهتم بعلاقاته وخاصة مع المسؤول الأعلى منه، لكنه لا يكتفي بذلك، بل يهتم بكافة أطراف العلاقة من زملائه الموظفين وحاجات المراجعين والمجتمع، رشيق في حركته الميدانية واضعا نفسه موضع المراجعين، مبتكرا أفضل الطرق لخدمتهم، مطورا القوانين والتشريعات ويعمل وفق خطة ومؤشرات متفق عليها ليكون منفذا لأفضل الممارسات في أداء العمل المناط إليه، مقارنا ومطلعا على ما تقوم به جهته من الأعمال مع أفضل الممارسات ليس على النطاق المحلي بل على المستوى الدولي ومنافستهم، متقبلا بصدر رحب للنقد البناء، متحديا ليس لأداء غيره فقط بل لنفسه ولإمكانياته وقدراته لتكون الأفضل يوما بعد يوم، مستوعبا لأهمية التكنولوجيا في أداء العمل وأنها واقع لابد أن يستوعبه ويتعامل معه، متسما بتفكير تحليلي لحل المشكلات وتجاوزها وإيجاد حلول استباقية، معترفًا بأن ما تم إنجازه قليل مقارنة بما ينتظره من تحديات وصعاب، لا يكتفي بالتنظير، لكن عليه أن يكون قدوة حسنة لما ينادي به من شعارات ومثل وحكم صباحية، مؤمناً إيماناً راسخاً بأن المرحلة القادمة حساسة وصعبة وتتطلب عملا مؤسسيا مخلصا وأمينا، وأن ما يقوم به ليس لنفسه أو لكرسيه الوظيفي بل لأجل عمان وأهلها وكل قاطينها، وأن مسؤوليته كمسؤول هي أضعاف مسؤولية الموظف، فهو بذكائه ومسؤوليته ووضعه الوظيفي يمكن أن يجمع كافة العناصر المبعثرة لتكوين لوحة متكاملة منسجمة ومنسقة تتشرف بها عمان ومن في عمان.