كيف نربي أطفالنا على التفكير الناقد؟

 أ.د/ أسامة محمد عبد المجيد إبراهيم
مستشار مؤسسة الملك عبدالعزيز ورجاله للموهبة والإبداع


على كل أم وأب والأفراد المشاركين في العمل التربويّ منذ الولادة حتى المرحلة الجامعية أن يُساءلوا أنفسهم أو يحرثوا التُربة المدرسية المتكلسّة لتقليب تربتها لإنعاشها وتخصيبها أو يلقُوا في مياه المحيط الأسريّ الراكدة، مجموعة من الأحجار والتي سوف تشكل فيما بعد مجموعة من الدوائر يمكن الانطلاق منها في تنشئة (العقل الناقد) داخل الأطفال والأجيال الصاعدة التي سيعوّل عليها في تحديد شكل وماهية المستقبل. ومن هذه التساؤلات:
-     إلى أي نوع من المفكرين ينتمي طفلك؟
-    هل يعتقد أن كل شيء يقرأه أو يراه على شاشة التلفزيون صواب؟  
-    هل هو أو هي دائماً ما تستكشف كيفية الوصول إلى ما يريد؟  
-    هل يسير خلف ما يقوله أو يوحي له به أصدقاؤه؟  
يشتمل التفكير الناقد على عدد من المهارات التي تساعدنا على اتخاذ قرارات سليمة، وهو يشير إلى القدرة على تقييم المعلومات لتحديد ما إذا كانت صوابا أو خطأ. وعندما ينمو الأطفال في مرحلة ما قبل المراهقة، فإن اكتساب مهارات التفكير الناقد سوف تساعدهم على إصدار أحكام مستقلة عن الوالدين.
وحتى يفكر الأطفال بطريقة جيدة، فإنه يجب عليهم أن يدركوا أن التفكير نشاط ممتع، وأن تتكون لديهم الرغبة في ممارسته بطريقة جيدة كنشاط ممتع ومثير.  ويجب أن نعلم أن مهارات التفكير الناقد لا تنمو على الوجه الأكمل قبل وصول الطفل إلى مرحلة المراهقة، ولكن مع ذلك يمكن للوالدين وضع الأسس اللازمة لحسن التفكير لدى أطفالهم الأصغر سنا، وأن يعملوا على تنمية الفضائل الفكرية الأساسية التي تؤدي إلى التفكير الناقد. وبشكل عام، هناك ثلاثة طرق للتفكير عادة ما يتبعها الأطفال في المرحلة الابتدائية:
-    بعض الأطفال يفكرون بطريقة ساذجة، فنحن نعوِّد أبناءنا، بطريقة غير مباشرة، أنه لا داعي لأن يفكروا، فنحن سنفكر عوضا عنهم. كثير من الأطفال يصدقون كل ما يقال لهم، أو كل ما يسمعونه في التلفاز، دون أن يطرحوا كثيرا من الأسئلة حول صحة أو دقة ما يسمعون أو يقرأون.
-    وبعضهم يفكر بطريقة أنانيّة، فهم يفكرون كثيرا كي يحصلوا على ما يريدون؛ فالبعض يعتقد في الحصول على كل ما هو ضروري لتحقيق أهدافه الشخصية، بغض النظر عن ما إذا كان هذا يضر بالآخرين.
-    والبعض يفكر بعقول منصفة، فهم يفكرون كثيراً لأن ذلك يساعدهم على التعلم. هم في الغالب لا يصدقون كل ما يقوله الآخرون أو ما يرون ويسمعون في التلفاز. وهم يفكرون  في "كيف يفكر الآخرون" وليس فقط كما يفكرون هم أنفسهم.  فهم لديهم الدافع لفهم الآخرين محاولين وضع أنفسهم مكانهم.
ويعد الميل نحو التفكير غير المتحيز وأنماط التفكير المتحررة من السياق التي تدعم الميل إلى تقويم الآراء والشواهد بطريقة لا تتأثر بالمعتقدات المسبقة للفرد أحد أهم خصائص التفكير الناقد.
ويُعدُّ ميل الفرد إلى التفكير انطلاقاً من الجوانب التي لا يؤيدها وعدم السماح للاختلاف في الرأي بالتأثير على تفكيره، وقدرته على قبول الآراء التي لا تتفق مع رأيه الشخصي في حالة ثبوت صحتها، وقدرته على إدراك تحيزاته الشخصية، جميعها خصائص مهمة للتفكير الناقد ومميزة للأفراد الذين يفكرون بصورة ناقدة.
وتختلف الميول نحو التفكير والقدرات العقلية في درجة قابليتها للتشكيل، فقد يكون من الصعب إحداث تغيرات كبيرة في قدرات التفكير الناقد كما تقاس باختبارات القدرات الاستدلالية واختبارات القدرات العقلية، وذلك مقارنة بالميول نحو التفكير الناقد التي يمكن التأثير فيها بشكل كبير. لذا يجب الاهتمام بتعديل الميل نحو التفكير المتفتح كمخرج تعلم معرفي دال على نمو مهارات التفكير الناقد. فهذا النمط من التفكير، بالإضافة إلى أنه قابل للتعلم والتعديل، فهو يتضمن عمليات عقلية تؤدى إلى صياغة معتقدات إبستمولوجية على درجة كبيرة من الأهمية، وشبكات أكثر اتساقا لضمان خيارات أفضل للأفعال. هذا النمط من التفكير المنفتح يعتبر علامة قوية على الاستقلال المعرفي ونضج الشخصية؛ فالطالب القادر على ممارسة التفكير العقلاني المرن وغير المتحيز والقادر على تقييم الآراء والقضايا بطريقة منطقية هو شخص لديه درجة كبيرة من الاستقلال والوعي بالذات، وفي الغالب هذا هو ما يميز الشخصية المنتجة والناجحة.
وهنا يجب التأكيد على ضرورة أن يتحدث المربون والآباء والأمهات مع الأطفال بلغة مشتركة حول معايير التفكير الناقد، وتوظيفهم لها طوال العام، ولا سيما خلال أشهر الصيف وذلك بالتزامن مع كل الأنشطة اليومية، عندها سوف يتعلم عقل طفلك التفكير نقديا في العالم.
خمس طرق لمساعدة أطفال على التفكير الناقد:
هناك خمسة معايير فكرية لتنمية "التفكير الناقد"، يجب على الآباء تعلمها أولا، ومن ثم مساعدة الأطفال على اكتسابها بداية من المرحلة الابتدائية. على الآباء فهم هذه المعايير وتعليمها لأبنائهم والتفاعل معهم بالطريقة التي تعزز هذه المعايير الخمسة.
1.    الوضوح: أطلب من طفلك أن يكون "واضحاً" وأن تكون عباراته وكلامه "واضحة"، وعندما يستمع إلى شيء لا يفهمه أن يطلب تفسيرات وأمثلة. واسمحوا للأطفال أن يعرفوا أنه لا بأس من الالتباس وطرح الأسئلة.
2.    الدقة: حثّ طفلك على "أن يكون دقيقا"، أن يتحقق ليعرف ما إذا كان شيئا ما صحيحاً أم لا، وذلك بالتحري عن الحقائق التي ترد في الكلام.
3.    المناسبة: شجع طفلك على أن يفهم التمييز بين المعلومات ذات الصلة بالموضوع أو المشكلة المطروحة للنقاش، وأن تساعده على البقاء على المسار الصحيح بالربط بين المعلومات ذات الصلة وذات مغزى للوصول إلى الإجابة على السؤال أو الموضوع المطروح، والتعرف على المعلومات غير ذات الصلة وغير المفيدة.
4.    المنطق: ادعم قدرة طفلك على "أن يكون منطقيا"، وذلك بمساعدته على رؤية كيف تتلاءم الأشياء مع بعضها البعض.  يجب أن تسأل طفلك على إدراك "كيف" توصل هو إلى استنتاجاته، وما إذا كانت افتراضاته صحيحة أم لا، وكيف يتحقق من ذلك.
5.    العدالة: ساعد طفلك على أن يكون عادلا، وذلك من خلال تعزيز التعاطف في معالجاته الفكرية. بمعنى، ينبغي أن نساعده في اعتبار وجهة نظر الآخرين وكيفية رؤيتهم المختلفة للأشياء عند استخلاص النتائج.

تعليق عبر الفيس بوك