إلى متى يحمي القانون العمال الهاربين؟!

مسعود الحمداني

لا أدري لماذا تُصر وزارة القوى العاملة على عدم الاستجابة لنداءات الاستغاثة التي يطلقها المواطنون بخصوص إجراءات العامل الهارب عن كفيله؟ ولا أفهم لماذا تتم مكافأة الهاربين مع سبق الإصرار والترصد، ومعاقبة المواطن الذي وقع عليه الظلم؟ ولماذا تنتهك أموال المواطن بهذا الشكل غير المبالي، بينما تساعد الحكومة العمال الوافدين على الهرب من كفلائهم، بل وتؤمن لهم طريقا ورديا وآمنا وخاليا من العقوبات والعقبات للسفر إلى بلدانهم، دون أي حساب أو عقاب أو جزاء على هروبهم؟

يبدو الأمر مُلتبسا، وضبابيا، وغير مفهوم بالمرة، فكثير من الوافدين -الآسيويين خاصة- وجدوا ضالتهم وطريق سعادتهم في الهروب، وبينما يعاني المواطن الكفيل الأمرَّين ويهدر وقته وماله وجهده للتخلص من التبعات القانونية التي قد تلاحقه جراء هروب العامل، يعيث الهارب في البلاد فسادا، وهو لا يبالي بما يترتب على ذلك من إجراءات، لأنه يضمن مسبقا أنه لن يدفع ريالا واحدا بعد القبض عليه، بل هو يعلم يقينا أن حقوقه مؤمنة، وأن رحلته إلى بلاده مدفوعة التكاليف مسبقا، وأنه لن يتحمل أي تبعات نتيجة هروبه، فالقانون يحميه كطفل مدلل قاصر لا تطاله القوانين.

وطيلة سنواتٍ، رفع المواطنون شكواهم آلاف المرات إلى وزارة القوى العاملة لرفع الظلم عنهم، غير أن الوزارة أصرت على إجراءاتها، ووضعت "أذنا من طين وأخرى من عجين"، وهي ترى الضرر الذي يقع على المواطنين دون أن تحرك ساكنا، أو أن تلتفت إلى النداءات المتكررة من قبل هؤلاء المواطنين. ولعل النظرة الأحادية التي تنظر بها الوزارة إلى الأمر يجعل من العسير التخلص من هذا العبء الذي يغيظ المواطن ويصيبه بالضغط النفسي، ويجعله مثار سخرية من قبل العامل الهارب، لدرجة أن وسائل التواصل الاجتماعي تناقلت رسالة صوتية من أحد العمال وهو يسخر من كفيله قائلا: "أرباب.. أنا فيه سجن"!! ويقهقه ضاحكا؛ لأنه متيقن بأن مهمته في السلطنة انتهت بسلام، وسيعود أدراجه إلى بلاده بسلام وأمان، مودعا بأكاليل النصر، بعد أن قضى سنوات يعمل دون أن يدفع ريالا واحدا، وهو يعلم أنه سيحصل على كل الامتيازات التي لم يكن ليحصل عليها لو ظل عند كفيله الأصلي.

أعتقد أنه حان الوقت لتنظر الحكومة إلى هروب العامل كجريمة يعاقب عليها القانون، كونها فعل يعرِّض المجتمع لمخاطر عديدة، ويجعل أمن البلاد مخترقا من قبل هؤلاء الهاربين، وعلى وزارة القوى العاملة أن تنظر إلى القضية من زاوية تراعي فيها حقوق جميع الأطراف، وأولهم الكفيل الذي وقع عليه الضرر الفعلي، وأن يعاقب المجرم الحقيقي وهو (العامل الهارب) بشكل صارم وحازم، بأن يدفع غرامات مالية عن المدة التي مكث فيها في البلاد بصورة غير مشروعة منذ انتهاء تأشيرة دخوله، أو بطاقة إقامته إلى وقت القبض عليه، كما يجب أن يتحمل الشخص أو الشركة التي قامت بتشغيله بشكل غير قانوني تبعات تسفيره وأي ضرر لحق بالكفيل الأصلي، ويبقى على الكفيل عملية الإبلاغ عن هروب العامل.

إن الجهات المختصة تعرف أين يتركز مثل هؤلاء العمال الهاربين، فإما أن يكونوا في المزارع، أو في الشركات الكبيرة التي تؤويهم، بينما يتجرع الكفيل الأصلي المرارة وهو يرى عماله يعملون أمام عينيه في هذه الأماكن، ولكنه لا يملك القدرة على اتخاذ أي إجراء لأنه معرَّض للعقوبة إذا أقدم على أي فعل (غير قانوني) للقبض عليهم، والأدهى من ذلك أن فرق التفتيش المشكَّلة من موظفي وزارة القوى العاملة والشرطة لا تتدخل بشكل سريع حين يتم الإبلاغ عن وجود عامل هارب إلا وفق آليات خاصة بها، وهذا ما يتيح للعمال الهاربين فرصا لمواصلة الهرب، وتغيير أماكن الاختباء والعمل.

إن هذه القضية التي تؤرق المواطن صاحب العمل، أصبحت واحدة من القضايا العمالية التي يجب البت فيها، والنظر إليها بعين القانون، حتى لا يصبح المواطن والقوانين أضحوكة في فم عمال جاءوا لأجل لقمة العيش، فإذا هم يستأسدون بفعل الإجراءات التي تمنحهم فوق حقوقهم، وتسحب هذه الحقوق من المواطن الذي تعرض للضرر الفعلي دون أن تتحرك الجهات المعنية لإنصافه في بلده.

Samawat2004@live.com