"المتقاعدون".. الفئة المنسية

 

مسعود الحمداني

samawat2004@live.com

 

"المتقاعدون" أو بمعنى أدق "المُقاعدون" أبناء الدولة الذين خدموها في السراء والضراء، وقاموا بواجبهم الوظيفي خير قيام، وكان لدى الكثيرين منهم أحلام، وآمال عراض، اندثرت فجأة، ودون سابق إنذار، وكان لذلك تبعات كثيرة اجتماعية، وإدارية، وقانونية.

لكن حصل ما حصل، وانتهى الأمر، وخرج أكثر من ثلثي موظفي القطاعين المدني والعسكري إلى "المعاش"، وباتوا يكافحون في سبيل الحياة، ويتكيفون على الوضع الجديد، ويعاني كثير منهم من أوضاعهم المالية، وسدادهم لقروضهم البنكية، ومصاريف معيشتهم، ويحاولون التأقلم مع رواتبهم التقاعدية الجديدة، والتزاماتهم الأساسية، التي لم يعرها المشرّع اهتمامًا حين وضع قانون التقاعد، خاصة فيما يتعلق بمكافأة ما بعد الخدمة "لموظفي القطاع المدني الحكومي"، وبين أمل تحسين أوضاعهم، ويأسهم من الانتظار، بقي الوضع على ما هو عليه، وعلى المتضررين بلع غصتهم، والصبر المر على ظروفهم المعيشية، وتحمل كل الضغوطات المالية، وتغيرات الأوضاع الاقتصادية التي يمر بها العالم.

ورغم أن كل شيء يتغير في هذا العالم، إلّا أن أوضاع "المُقاعدين" لا تتغير، فرواتبهم التقاعدية لا تزيد، بل هي في نقصان دائم فعليا في ظل الأوضاع الاقتصادية، والتضخم، والأسعار التي ترتفع كل يوم، فما كنتَ تدفعه ـ كمستهلك ـ قبل أشهر لشراء مستلزمات المنزل، بات عليك أن تدفع ضعفه أو أكثر لشراء نفس السلع الاستهلاكية هذه الأيام، والأمر قابل للارتفاع، ناهيك عن زيادة فواتير الماء والكهرباء والاتصالات، والضرائب والخدمات الأخرى، فكيف يستطيع الفرد تصريف راتبه بين كل هذه الأوجه؟..بين راتب تقاعدي ثابت مكانه، لا يتحرك، ومتقاعد لا يملك أي ميزات تعينه على مواجهة هذا الغول الاجتماعي والاقتصادي الذي يتوحش كل يوم.

وقبل فترة طويلة تقدمت مجموعة من "الموظفين السابقين" في الجهاز الإداري للدولة بطلب لوزارة التنمية الاجتماعية لإنشاء "جمعية للمتقاعدين"، بما لها من أهداف، ورؤى، وأبعاد نفسية، واجتماعية، واقتصادية للمستهدفين، إلّا أن الفكرة لم ترَ النور، وسط بيروقراطية مزمنة ما تزال تضرب بأطنابها في المؤسسات الرسمية، وفي حين أن كثيرًا من الدول القريبة والبعيدة تمنح المتقاعدين فيها امتيازات فعلية تعينهم على مواجهة ظروف الحياة، وهو تقدير معنوي كبير لدورهم الوظيفي، ووفاء وتكريما لمواطنين أفنوا حياتهم في خدمة وطنهم، إلا أن هذه "الخطوة" لا تزال بعيدة عن أذهان المسؤولين لدينا. وأعتقد أن الوقت حان لمنح المتقاعدين بعض التكريم والدعم  المعنوي الذي يستحقونه، إن لم يكن هناك مجال لزيادة مالية مباشرة، ولعل من أهم تلك الاقتراحات وجود "نادٍ للمتقاعدين"، أسوة بالجهازين العسكري والأمني، وموظفي ديوان البلاط السلطاني، يستمتعون فيه مع عائلاتهم، ويمارسون هواياتهم، ويلتقون بزملائهم، ويستفيدون من وقتهم الضائع بشكل افضل، ولعل وجود "مجمع استهلاكي" بأسعار مدعومة لمن يحملون "بطاقة متقاعد"، سيساهم في مواجهة ارتفاع تكاليف المعيشة التي يعاني منها المتقاعدون، والذين تجمد دخلهم عند الحد الأدنى في حرب غير متكافئة مع غول الغلاء الفاحش.

فهل ذلك كثير على الموظفين المدنيين بالجهاز الإداري للدولة الذين يطمحون فقط إلى الالتفات لعطائهم، وتقدير دورهم الوظيفي الذي قدموه طيلة عقود من العمل، وخرج أحسنهم وضعا ـ بعد ثلاثة أو أربعة عقود أفناها من عمره في الوظيفة، بمكافأة مالية لم تزد عن 12 ألف ريال، دفعها كلها لتسديد قرض بنكي!!

فقط.. أعينوهم على الحياة، لأنهم يستحقون أكثر من ذلك.