زاهر بن حارث المحروقي
تحتل قضية التوظيف، الأولويةَ الكبرى في اهتمامات النَّاس. وتحتاج المسألة إلى وجود خطة وطنية شاملة تتولى دراسة هذا الأمر، لإيجاد الحلول والبدائل الدائمة لمشكلة الباحثين عن العمل، والتي ستزداد يومًا بعد يوم؛ بدلاً من اللجوء إلى الحلول المؤقتة، التي هي أقرب إلى المسكِّنات أو التخدير الموضعي فقط.
وتعليقًا على مقالي السابق "مشكلة التوظيف بين العلاج والمسكِّنات" الذي نُشر في "الرؤية" الأسبوع الماضي؛ تلقيتُ الكثير من التعليقات والردود، وهي في مجملها تدلُّ على أهمية موضوع التوظيف. وفي ظني أنّ تعليقات كهذه يجب أن تصل إلى من يدرس الوضع في عُمان أو متخذي القرار؛ فالمسألة شائكة وليست سهلة؛ وتأخّرُ إيجاد الحلول فاقم من المشكلة وعقّدها أكثر.
يرى أحد المُعلقين على المقال أنّ الحلول يبدو فعلا أنها غائبة. ويتساءل: هل سيتم التعاطي مع كلِّ أزمة بهذه الطريقة؟ فأين هي الحلول المستدامة؟ ويرى أننا نعاني من أزمة التعليم، وكذلك البيروقراطية التي أصبحت مصدر قلق كبير، وتسبّبت في تأخير الكثير من الأمور وغياب الحلول؛ فيما اقترح قارئٌ آخر أن تبدأ الحكومة في تأسيس شركات ومصانع يتم بيعها للقطاع الخاص، بهدف إيجاد وظائف؛ فإيجادُ الشاغر – حسب رأيه - أهمُّ من البحث عن وظائف؛ فيما رأى قارئ آخر الرأيَ نفسه عندما كتب: "إنّ موضوع التوظيف موضوعٌ حيويّ ومهمٌ جدًا. فيجب أن يكون التوظيف لزيادة إنتاجية الدولة، ولا بأس في إنشاء مصانع ملكًا للدولة، مع التخطيط لزيادة الربح والإنتاجية". ورأى أنّ الزج بهؤلاء الشباب في الوزارات والأجهزة العسكرية دون إنتاج، ليس من مصلحة الدولة ولا المواطن ولا القدرة التنافسية.
وتساءل أحد القراء: هل بالفعل يهتم المسؤولون لدينا لمصلحة عُمان واستقرارها؟؛ ويرى أننا بحاجة إلى تجديد العقول وضخ دماء جديدة شابة ومتوهجة؛ لأنّ العقول الجامدة – حسب رأيه – لن تنتج إلا خبالا. فيما يؤكد قارئٌ آخر أنّ هناك تضخمًا في الوظائف الحكومية، وهناك تدنٍّ في الإنتاجية، وأنّ أسباب ذلك معروفة للكل. ويرى أنّ المشكلة تكمن في عدم استغلال الكفاءات في المؤسسات العامة والخاصة؛ فهناك خبرات وافدة تأتي إلى هذه الوزارات والمؤسسات، نتيجةً لتهميش الكفاءات العُمانية وركنها. وفي ظلِّ غياب المساءلة والشفافية ستبقى جدلية التوظيف قائمة.
أما القطاع الخاص، فيستوعب- حسب رأيه- جميع الباحثين عن العمل، حتى إذا وصل عددهم مليون باحث، لأنّ القطاع الخاص لديه مشاريع إنتاجية لها قيمة مضافة واستثمارية؛ وهؤلاء الباحثون عن العمل قوة اقتصادية منشطة للاقتصاد، وينبغي أن يحلوا محلَّ الوافدين، ولا مجال للتسويف من قبل ملاك القطاع الخاص. ويلقط قارئٌ آخر الخيط ويقول عن التضخم: إذا تمَّ التوظيف مثل ما حدث عام 2011، ستكون هناك عملية تضخم في الوزارات والهيئات الحكومية، ويعتقد أنّ التوظيف سيكون أفضل من قبل، كون أنّ الفكرة تعتمد على الإحلال؛ ولكن – حسب رأي قارئ آخر – ألا يتم تكرار غلطة 2011، بالتركيز على تعيين الشابات على حساب الشباب؛ فالأولوية حسب اعتقاده أن يكون التعيين للذكور، بدلاً من تراكم الفتيات في الوزارات، ليتسكع الشباب في الطرقات. ولكن هل الشباب في القطاع الخاص يعملون حسب تخصصاتهم؟ قارئٌ يرد على هذا السؤال قائلاً: إنّ معظم العاملين العمانيين في القطاع الخاص لا يعملون في تخصصاتهم، حتى لا يكتسبوا خبرة، لتظل الخبرة بيد الوافد؛ فالمهندس يعمل في وظيفة مندوب مبيعات أو محصِّل ديون، وقس على ذلك التخصصات الأخرى. كما أنّ من المؤسف أن نرى كثيرًا من العُمانيين موظفين لدى القطاع الخاص بالاسم فقط، لكي تحصل الشركات على مأذونيات لوافدين جُدد، ومن ثم تتم مضايقة العمانيين لإجبارهم على تقديم استقالاتهم. وهكذا يستمر الوافد مسيطرًا على القطاع الخاص بالتواطؤ مع بعض المسؤولين، معللين ذلك بأنّ العماني لا يصبر على العمل وليس لديه الرغبة الجادة للعمل. وهذا التعليق يحيلنا إلى تعليق آخر عن النقطة نفسها، إذ يقول أحد القراء: إنّ العمالة الوافدة تستنزف الموارد وتسيطر على القطاع الخاص، وتعمل وكأنها "لوبي" يُحاول السيطرة على كلِّ شيء، ويذكر أنّ الكثير من العمال الوافدين أصبحت لديهم الجرأة ولا يخافون، فيأتون بمخالفات لا يجرؤ عليها العماني.
وتتفق قارئةٌ مع الرأيين السابقين حول خطورة العمالة الوافدة وما تشكله من لوبيات، إلا أنها تحمِّل الشباب العماني بعض المسؤولية، إذ لا يتحمّل بعضهم الوظائف الشاقة أو التي فيها بعض الحركة أو الأعمال الميدانية، ممّا يعطي الفرصة للعمالة الوافدة أن تتسيّد، وأن تقلّ فرص تعيين العمانيين في هذه الأعمال. وتقول: إنّ العمالة الآسيوية تُعتبر قنبلة موقوتة وتمارس نفس التفرقة العنصرية، فتجدهم يوظِّفون من نفس دياناتهم ونفس عقائدهم، ويستبعدون من هم ليس منهم. كما أنهم يقومون بإفساد كلِّ شيء حولنا، وذلك لكثرة اعتمادنا عليهم؛ فالبناياتُ مغشوشة؛ وأكلُ المطاعم مغشوش؛ واللحمُ الذي يُباع في المحلات مغشوش؛ وتوصيلاتُ الكهرباء والهاتف والمياه مغشوشة؛ والمالحُ فاسدٌ ومغشوش؛ وما خفي كان أعظم. وللأسف – حسب قولها – يعجز الشباب العماني عن تولي زمام الأمور، لأنهم في بعض الحالات – وما أكثرها - لا يتوقعون راتبًا عاليًا وعملا مريحًا وجوًا مكيفًا. وتقول: مكاتب المحاماة المنتشرة في البلد؛ ومكاتب استشاريي الهندسة؛ والعيادات والمستشفيات الخاصة والصيدليات المنتشرة في البلد؛ والشركات التخصصية لمساندة هيئة الكهرباء والمياه، والشركات التخصصية لمساندة أعمال مد شبكات الاتصالات وغيرها؛ جميعها مؤسسات خاصة تحتاج إلى كادر متخصص بشهادة علمية، ولكن للأسف جميعها فتحت الباب على مصراعيه للعمالة الوافدة من جميع الجنسيات، ولم يستفد منها العمانيون إلا من رحم ربي، ومع ذلك لم ترحمه تلك المؤسسات.
يتفق قارئان على أنّ مشهد عام 2011، قد تكرّر بذات المشكلة وذات الحل، ممّا يدلّ على أننا بحاجة إلى تخطيط سليم، وإلى تنفيذ أمين على أرض الواقع لكثير من السياسات مع الرقابة الشديدة، بعيدًا عن رفع الشعارات الرنانة. فيما اختلف قارئ ثالث مع هذا الرأي، إذ رأى أنّ المقارنة بين الظرف الحالي وعام 2011، هي مقارنة غير عادلة، وذكر أنّ حسب بيان مجلس الوزراء فإنّ الأولوية هي إحلال العماني مكان الوافد في القطاع الحكومي والشركات الحكومية، والذي بدأت وزارة الصحة في تطبيقه بالفعل؛ لكن ذلك لم يمنع قارئًا آخر من التساؤل: أين خطط الحكومة السنوية من توظيف مخرجات الشباب من حملة الدكتوراه والماجستير والبكالوريوس والدبلوم لتفادي ردة الفعل مستقبلا؟
يرى قارئٌ أنّ موضوع التوظيف موضوع مهم يحتاج إلى سلسلة مقالات قد لا تنتهي، مثل مقال عن تسهيل فتح المشاريع، فلا يُعقل أن تكون الإجراءات الحكومية حجر عثرة في ستر إنسان على نفسه ماديّا، ويرى أنّ الإجراءات الأمنية - في أيِّ مكان في العالم - ينبغي أن تتبع الاقتصاد وليس العكس؛ فبينما تقدَّم الاقتصاد في أمريكا والدول الغربية، فتم تفصيل الإجراء الأمني عليه، فحقق هذا الاقتصاد نجاحًا، والعكس نموذجه الاتحاد السوفييتي وكوريا الشمالية وكوبا وفنزويلا.
موضوع التوظيف فعلا شائك ويحتاج إلى أكثر من مقال، ولكن لن تفيد المقالات - مهما بلغ عددها، ومهما بلغت حججها، ومهما بلغ حجم الاقتراحات فيها – إذا كانت رغبة إيجاد الحلول غائبة؛ ربما هذا ما جعل أحد القراء يتساءل: ألا يقرأ المسؤولون الصحف المحلية التي تناول كتّابُها موضوع التوظيف في عشرات المقالات؟. ويبقى سؤال هام والذي طرحه أحد القراء: في حالة فشل إيجاد الحلول وتفاقمت المشكلة – وهو متوقع – فهل تصلح تلك العقول أن تبقى في مناصبها؟