سالم مبارك الخويطر
يُحكى أنّ فلاّحًا زار أحد فلاسفة الرّومان في بيته وصادف وقت مجيئه وقت غَداء الفيلسوف، فأصرّ على ضيفه أن يجلس معه على مائدة الغداء، لبّى الفلاّح دعوة صاحب البيت وعندما تناول طبق الحساء بين يديه رأى أفعى صغيرة، ولكنه رغم هذا أكل ما في الطّبق لأنه كره أن يحرج الفيلسوف!
عاد الفلاّح إلى بيته، ولم يَنَم ليلته تلك من وّجع بطنه، وقال في نفسه: هذا أثر السّم.
وفي الصّباح الباكر قصد بيت الفيلسوف علّه يجد دواء لِما أَلمّ به، وكم كانت دهشته عظيمة عندما أخبره الفيلسوف أنّه لم يكن في الطّبق أيّة أفعى، وإنّما هذا انعكاس رسمة على السّقف في الطّبق، واصطحبه إلى غرفة الطّعام وسكب له طبقًا وقال: أنظر جيّدًا أيوجد أفعى؟
قال الفلّاح: لا!
عندها وضع الفيلسوف الطّبق تحت الرسمة التي في السّقف مباشرة، وانعكست صورة الأفعى فيه، ثم قال: الأفعى توجد في عقلك فقط!
الغريب أنّ الألم في بطن الفلاّح زال فور معرفته بالحقيقة!
آخر السّطر.. في حياتنا وعلاقاتنا يعيش بيننا اليوم نماذج مثل شخصية الفلاّح، يعيشون الوهم ويسيطر عليهم وكأنهم اعتادوه وأدمنوه، سيْطر على كل جوانب وتفاصيل حياتهم، هناك من يعيش وَهم المرض فلا ينفك من الشكوى والشعور بالألم في كل حركة، وهناك من يعيش وَهم الفقر دائم الشكوى والتّذمر من حياته وكأنَّه في حالة اعتراض وعدم رضا من أقدار الله، وهناك من يعيش وَهَم الفشل الذي يجعله سببا وعذرًا جاهزًا لعدم خوض أي تجربة، وهناك من يعيش وَهم عداء الآخرين وكراهيتهم له فيتحسّس من كل كلمة أو حتى إيماءة فيترجمها وهَمه إلى الشك والريبة، وهناك من تعيش وهَم الحسد والسّحر وأنها محسودة في حياتها فتجدها تطرق كل أبواب المشعوذين والمشعوذات الخبراء والخبيرات في فك الطلاسم؛ كوْن هذا الوهم تعيشه النساء دون سائر مخلوقات الله، ولهذا ينفقن المبالغ الخيالية في عمليات التجميل والبحث عن ربط الحبيب وفك السحر طبعًا بعضهن وليس كلّهن.
يقول ابن سينا: الوهم نصف الداء، والاطمئنان نصف الدواء، والمعرفة والصبر أولى خطوات الشّفاء.
