تطوُّر مسائل الانتحالات

زاهر بن حارث المحروقي

كُنا في السابق نقرأ مسائل انتحال المقالات والكتب والبحوث والدراسات العليا، وحتى التاريخ؛ لكننا الآن بعد القفزة الكبيرة في مجال التقنيات التي أفرزت مواقع للتواصل بين الناس، والتي تُسمَّى بـ"الاجتماعية"، انضمَّت إلى قاموس الانتحالات صفةٌ جديدةٌ، وهي صفة انتحال الشخصيات والمواقع والمؤسسات؛ فأصبحنا في كلِّ يوم تقريبًا نقرأ عن وجود صفحة تنتحل صفة أشخاص آخرين أو هيئات معينة، وقد يكون هذا الانتحال وفق خطة مُمنهجة لتحقيق هدف سياسي، أو لتشويه سمعة الأشخاص، أو غير ذلك من الأهداف المعلنة وغير المعلنة.

ومن يُتابع مَواقع التواصل هذه فيما يخصُّ الواقع العماني، يجد أنَّ هناك مخططًا واضحًا ضد عُمان؛ أحد أسبابه سياساتها المستقلة (مع عدم إغفال أنَّ للانتحالات أسباباً أخرى كثيرة)؛ وذلك عن طريق ترويج بعض الأخبار الكاذبة عن عُمان من خلال انتحال صفةِ بعض المؤسسات، وكذلك انتحال أسماء أشخاص عُمانيين معروفين في صفحات "فيسبوك".

ومن الانتحالات الحديثة، ما قامت به بعض الجهات بانتحال صفحة جريدة "الرؤية" في "فيسبوك"؛ حيث دشَّنتْ هذه الجهات صفحةً مزورةً على موقع التواصل الاجتماعي، تحملُ اسم "جريدة الرؤية العمانية"، وتضعُ شعار الجريدة نفسه بلونه الأحمر المميَّز، والذي تملكه جريدة "الرؤية" حصريًّا، كملكيةٍ فكريةٍ وأدبية. من الوهلة الأولى لمتابعتي تلك الصفحة، عرفتُ فورًا أنها ليست صفحة جريدة "الرؤية" التي نعرفها؛ فهي تنشر أخبارًا مُضلِّلة ومزيَّفة عن عُمان، مع نشر صور لمسؤولين عُمانيين، في محاولة يائسة للطعن في المجتمع العماني، بتعمُّد هذه الصفحة نشر قضايا تتنافى مع قيم وعادات هذا المجتمع، وهي قضايا كلها ملفقة وليس لها أيُّ أساسٍ من الصحة؛ بل هي أقرب إلى الخيال وتنحو نحو الأخبار الفضائحية. ولم يكن الخطأ في انتحال موقع جريدة "الرؤية" فقط؛ بل تعدى ذلك إلى نشر صور ضباط الشرطة، مع أخبار كاذبة عن المجتمع وجرائم لم تحدث في أرض الواقع.

وإذا كان انتحال صفة كاملة لصحيفة "الرؤية" قد حظي بمتابعة خلال الأسبوع الماضي وردود فعل مستنكِرة، إلا أنّ النقطة الجديرة بالإشارة هي أنّ هذا الانتحال ليس وليد اليوم، ولم يحدث هذه المرة فقط، وقد لا يكون الأخير؛ وقد سبق أن تناولتُه في مقال لي بـ"الرؤية"، تحت عنوان "أنا والفلاحي وإيران"، تحدثتُ فيه كيف هبطت بعض وسائل الإعلام الخليجية إلى الحضيض، بأن لجأت إلى فبركة أخبار ونشرِ تصريحات ونسْبِها إلى أناس لا يدرون عنها شيئًا؛ مستغلة تلك الأسماء لإعطاء صفة الشرعية على ما تبثه وتنشره. وقد ازدادتْ وتيرة هذه الفبركات، ووصلت إلى قلب الحقائق ونشر أخبار كاذبة وفبركة تقارير وتأليف تصريحات منسوبة إلى مسؤولين وكتّاب عمانيين ليس لديهم خبر عنها؛ ومن ذلك ما نشره موقع "إرم نيوز" (وهو موقع إلكتروني مملوك لشركة إرم للإعلام المسجَّلة في هيئة أبوظبي الإعلامية الحرة)، الذي بُثَّ في 21 يوليو 2017، تقرير بعنوان: "ترامب يستدير نحو سلطنة عُمان للمساعدة في توجيه إيران"، استشهد فيه كاتب التقرير بكلامٍ منسوب للأستاذ أحمد الفلاحي، عن علاقة عُمان مع إيران، فقوّلوه ما لم يقله. وكذلك عندما توسَّطت عُمان بين إيران وأمريكا، نشرت صحيفة "العرب" الصادرة في لندن في عدد 30 يوليو 2015 تقريراً عنوانه "إيران تسعى لإرباك علاقة سلطنة عُمان ببقية دول الخليج"، وكانت المفاجأة بالنسبة لي أن تنسب الصحيفة تصريحًا لزاهر المحروقي الذي وصفته بأنه محلل عماني؛ وأنا شخصيًّا -كما ذكرت في مقالي ذلك- لا علم لي بتصريح كهذا لا من قريب أو بعيد، وهو محض افتراء.

واضحٌ أنَّ انتحال صفحة جريدة "الرؤية" ونشر أخبار كاذبة عن عُمان، جاء ردًّا على خط ونهج كتَّاب الجريدة، فيما يخص محاصرة قطر، والحرب على اليمن، وما تنشره الجريدة من أخبار خليجية، قد لا نقرأها في صحف أخرى، وهذا ما ضايق البعض، الذين يريدون من الإعلام العربي كله -بوسائله المختلفة- أن يسبِّح بحمدهم، وأن يغضّ أبصاره عن الجرائم التي حدثت وتحدث في اليمن، وكذلك تدخلاتهم في الشؤون الداخلية للدول العربية. هذا فيما يتعلق بالأسباب السياسية لمثل هذه الانتحالات، غير أنه قد تكون هناك أسباب أخرى لا نعلمها. فقد طالت الانتحالات أيضًا بعض الزملاء والزميلات من الصحفيين والصحفيات، فرأينا صفحة مكذوبة في أحد المواقع تضع صورة الكاتبة هدى حمد مع تعليق "أول مليونيرة عُمانية في سن 22 تظهر للعلن، تعلمّي الطريقة"، وهو ما نفته الكاتبة على صفحتها في فيسبوك. كما رأينا صورة الصحفي عبدالله العدوي رئيس تحرير صحيفة الصحوة الإلكترونية تتصدّر إعلانا يقول: "شاب عُماني: تخلصتُ من التدخين بدون معاناة بفضل هذا البخاخ الطبي"، وهو الإعلان الذي أعلن العدوي في صفحته براءته منه، وسأل عن الطريقة التي يمكن بموجبها التبليغ عن مثل هذه الانتحالات، كما شاهدنا أيضًا الصحفيّة ميساء الهنائي تبلغ عن صفحة مزيّفة تحمل صورتها وتنتحل اسمها. وأكيد هناك غير هؤلاء، لم يسعني الوقت لمتابعتهم كلهم؛ مع الإشارة إلى ما نشره المغرِّد الشهير "الشاهين" في صحفته في تويتر يوم الخميس 4/7/2019، أفاد فيه متابعيه بأنه تم "رصد مجموعة صغيرة نسبيًّا من حسابات خاملة، تم تنشيطها بمسميات قبائل يمنية، بهدف ضرب العلاقات العمانية اليمنية، وتضليل (استحمار) الرأي العام. كما تم رصد مجموعة أخرى من الحسابات القديمة تم تغيير مسمياتها الخليجية لانتحال قبائل عمانية من ظفار".

هذه الانتحالات ظاهرة خطيرة، قد يكون لها ما بعدها، ويستدعي الأمر تكاتف الجهود لإيقافها عند حدِّها. لذا فإني مع الخطوة التي اتَّخذتها "الرؤية"، بأخذ كافة الإجراءات القانونية داخل وخارج السلطنة، لمُلاحقة هؤلاء قانونيّا، لأنّ التصدي لمثل هذه التصرفات، من شأنه أن يضع حدًّا لمثل هذه الانتحالات. وصحيحٌ أن حبل الكذب قصير، إلا أنّ الكذب قد ينطلي على البعض إذا لم يتم كشفه أولاً بأول.