من سيعيد بناء ما دمره الإرهاب

 

د.يحيى أبوزكريا

تسبب الإرهاب في العالم العربي في تدمير مشروع التنمية والاقتصاد وإرجاع الدول العربية إلى مرحلة العجز الكامل. وقد بلغت تكلفة الحروب والإرهاب عام 2015 مبلغاً فلكياً يقارب 13.6 تريليون دولار، وفق تقديرات المؤشر العالمي السنوي للسلام . وأكبر الأضرار كانت في الدول الساخنة أمنياً في سوريا والعراق وتونس وليبيا والصومال وأفغانستان واليمن ونيجيريا وغيرها.

لقد كان المشروع الإرهابي يتغطى بلحاف الخلافة والدولة الإسلامية ومشروع الحاكمية لله، وفعلياً دمر معظم البنى التحتية التي تمكن منها، فقد دمر الجامعات والثانويات والمتوسطات والمدارس والمساجد والكنائس والمصانع والمزارع وإمدادات النفط والغاز وقنوات السقي الزراعي ومؤسسات الدولة والبلديات والمحافظات والمسارح والمعاهد والآثار والذاكرة التاريخية لهذا الوطن وذاك ...كان الإرهاب كالغوريلا العملاقة التي فتكت بالبنيان والإنسان، كان مكلفا بإعادة العالم العربي إلى ما قبل التاريخ الحجري أو إلى عصر الديناصورات.

وفي بيان موسع لجميعة الأمم المتحدة فإنّ الاحتجاجات التي شهدتها عدة دول في منطقة الشرق الأوسط خلال ما يعرف بـ"الربيع العربي" كبدت المنطقة العربية خسائر بلغت 614 مليار دولار منذ عام 2011. ويذهب تقرير صدر قبل سنيتن عن المنتدى الاستراتيجي العربي إلى أن تكلفة "الربيع العربي" العنيف والدموي نحو833.7 مليار دولار ...وقبل الحديث عن هلاك البنيان لا بد أن نشير إلى المأساة الإنسانية التي طالت المواطنين العرب الذين غادروا مساكنهم إلى جغرافيا خارح بلادهم أو أماكن تبعد عن بيوتهم ومزارعهم بمسافات شاسعة ...

وهنا لا بد أن نشير إلى حالة الانهيار السيكولوجي والشخصاني وتنامي الشعور بالتهميش والكراهية، وتنامي الإحساس بضرورة الانتقام وبين ضحايا الإرهاب وأبناء الإرهابيين. والدول العربية ليست مدعوة إلى إعادة بناء البنى التحتية فحسب، بل هي مطالبة بإعادة بناء الإنسان والاستثمار في الإنسان عبر إنتاج مشروع تنويري حقيقي يشكل عصمة للأجيال المقبلة حتى لا تستنسخ تجربة القراءات الملعونة للدين الإٍسلامي الحضاري والذي خطف من قبل مصاصي الدماء والرقاب.

يجب أن تقرن معركة البناء المادي بمعركة البناء الفكري والثقافي والمعركة الراهنة في العالم العربي هي بين مشروع التنوير ومشروع التكفير وهي من أخطر المعارك التي عرفها المشهد العربي والإسلامي، والتي ستحددّ لمئات السنين مسار الصيرورة في عالم عربي انفجرت ملفاته وتكالب عليه الأعداء من كل جانب.