طالب المقبالي
قبل ليلتين بينما القمر غائباً توجهت بصُحبة أحد أبنائي إلى إحدى القرى الجبلية بعيداَ عن الأضواء في رحلة تصويرية لتصوير النجوم ودرب التَّبانة.
وقد اخترنا مكاناً ليس بعيداً جداً تحسباً لأي طارئ، وأخذنا موقعنا بمُحاذاة طريق ترابي يصل إلى القرى الأخرى المُجاورة، وكانت الساعة العاشرة ليلاً وقت وصولنا.
بدأنا التصوير وكُنا نتمنى أن لا تمر أيِّ سيارة أثناء التصوير لأن أضواء مصابيح السيارات تفسد عملية التصوير تمامًا، فوضعية التصوير تتطلب الجو المُعتم باستخدام وضعيات خاصة للتصوير الليلي من أجل تجميع الضوء المُناسب لتصوير النجوم.
وبما أننا قد اخترنا زاوية على الطريق فلابد من مرور السيارات، وقد كُنا نتوقع أن الوقت متأخر والناس عادت إلى قراها، إلا أنَّ الذي حدث عكس ما توقعنا.
فما إن توقفنا ونصبنا كاميراتنا وبدأنا بالتصوير حتى توقفت السيارة الأولى، فكان الجو مظلماً وقد أطفأنا جميع مصابيح سيارتنا.
سلّم علينا صاحب السيارة وسألنا عن أحوالنا وعرض علينا المُساعدة، شكرناه وأخبرناه بأننا في مُهمة تصويرية، فواصل طريقه متمنياً لنا التوفيق في مهمتنا.
هنا التفتُ إلى ولدي وقلت له، هذا المشهد سيتكرر مع كل سيارة ستمر من هذا المكان، ومن المستحيل أن يمر علينا أحد دون أن يتوقف ليطمئن علينا ويعرض علينا المساعدة، فهذه فطرة الإنسان العُماني، وهذه أخلاقه، وهكذا نشأ وتربى على حب النَّاس وحب الخير للناس، ومساعدتهم عند الشدائد، ففي مثل هذه الأماكن المقفرة لا بد أن تجد من يُساعدك ويقدم لك العون، فإذا تعطلت سيارتك سوف يترجل قائد تلك السيارة ومن معه من الرجال من سيارتهم ويشمروا عن سواعدهم ليساعدوك حتى تعمل سيارتك، أو يذهب أحدهم إلى المدينة ليحضر لك فنياً لإصلاحها أو يأخذك إلى منزله ليستضيفك عنده، في حين يكلف أحد أبنائه أو إخوانه بإصلاح مركبتك ويأتي بها إلى بيته حيث تُقيم معه، في حين يقوم هو بواجب الضيافة معك ومع من برفقتك.
مرَّت السيارة الثانية وتوقفت ثم سلم علينا صاحبها وقال "سلامات" هل تعطلت سيارتكم، وكان الرد هو الرد أننا في مهمة تصويرية، فسلم علينا وغادر بعد أن اطمأن أنَّ مركبتنا بخير وأن وقوفنا اختياري وليس إجبارياً أو اضطرارياً.
تم مرَّت السيارة الثالثة والرابعة والخامسة والسادسة، والسؤال نفس السؤال، فمرت سيارات عدة لم أحصها وربما تجاوزت العشر سيارات، ولم تمر واحدة من تلك السيارات إلا وقد توقفت.
وَلَدِي كان مندهشًا مما يحدث وكأنَّه يرى هذا الموقف لأول مرة في حياته، فهو متعجب من طيبة الناس وحبهم لتقديم المساعدة. فقلت له هذه طبيعة أهل القرى، بل هي طبيعة الإنسان العماني الذي لم يتغير بمتغيرات العصر، فأهل عُمان ما زالوا بخير.
وأهل هذه القرى ينعمون بكل الوسائل الحديثة، كالكهرباء والهاتف، وإن كانوا يعانون من وعورة الطرق المؤدية إلى قراهم، إلا أنَّ الوسائل الحديثة والمدنية لم تغير من طبيعتهم وكرمهم وأخلاقهم وحبهم لمساعدة الآخرين.
muqbali@hotmail.com