"أمازون" قادمة.. فهل البحرين جاهزة؟

عبيدلي العبيدلي 

أصبح حضور شركة أمازون لخدمات الويب (AWS) في السوق البحرينية حقيقة لا تحمل الجدال، وباتت المؤسسات البحرينية من شركات خاصة، وإدارات حكومية، ومنظمات مجتمع مدني، جميعها مطالبة بأن تقرأ هذه الخطوة "الأمازونية"، بشكل صحيح، ليس في إطار الواقع الحالي الضيق، بل في آفاق المستقبل القادم الرحبة، كي تحقق الفوائد القصوى المتوخاة من حركة أحد عمالقة صناعة تقنيات المعلومات والاتصالات في العالم نحو هذه المنطقة.

دون الحاجة للدخول في تفاصيل الاتفاقية المبرمة بين الجهات المعنية ذات العلاقة مع شركة أمازون، والتي أدت إلى اختيار هذه الأخيرة البحرين كقاعدة ارتكاز للانطلاق منها، وتقديم خدماتها لدائرة سوقية أوسع، قد تمتد من جنوب آسيا، كي تصل إلى جنوب أوروبا، ينبغي التأكيد على أن مثل هذا القرار يحمل في ثناياه اعترافا دوليا بأهلية البحرين لاستقطاب رؤوس أموال دولية، وشركات تقدم خدمات للسوق العالمية. ومن ثم فهي تعكس إلى حد بعيد درجة التطور البحريني في قطاع الاتصالات وتقنية المعلومات. لكنها بالقدر ذاته، وبعيدا عن تفاصيل الاتفاق، تحمل في ثناياها مجموعة من التحديات التي ستواجه تلك المؤسسات البحرينية المشار لها أعلاه. ويمكن حصر هذه التحديات في النقاط التالية:

على مستوى الدولة ستجد الدولة نفسها، شاءت أم أبت، مطالبة بتوفير البيئة السليمة التي تسهل عمليات أمازون من خلال الأمور التالية:

- الخروج بأدلة مقيسة تحمل السياسات، والإجراءات الرسمية، بما في ذلك القوانين والأنظمة، التي ترشد طبيعة الأنشطة التي ستمارسها أمازون، والخدمات التي ستوفرها. أهمية ذلك أنها ستحدد الإطار الذي سيحكم حركة أمازون، بما يضمن بناء علاقة الربح المتبادل (Win –Win- Situation)، بين تلك المؤسسات بشكل جماعي، أو كل منها على حدة من جانب، وأمازون من جانب آخر. وربما يحتاج الأمر هنا إلى إدخال السلطة التشريعية بحجرتيها من أجل وضع التشريعات التي يحتاجها تنظيم العلاقة الحاضرة والمستقبلية. 

- بناء نظام / أنظمة الصدى (Ecosystem) التي يشيد البيئة السليمة المنتجة التي تسيج العلاقة بين أمازون والشركات العاملة في قطاع تقنية المعلومات والاتصالات. وهنا يحتاج الأمر الكثير من الحرفية التي يتطلبها بناء (Ecosystem) كفء، قادر على تأهيل الشركات المحلية كي يكون لها دورا إيجابيا من جهة، وإعادة تصميم بعض الخدمات التي توفرها شركة أمازون الأم من جهة ثانية. 

- التركيز على تشجيع المؤسسات المالية العاملة في البحرين، وعلى وجه الخصوص تلك التي تمارس أنشطة استثمارية، كي تتحول من مجرد جهات توفر القروض التقليدية، أو تنخرط في مشاريع استثمارية غير مبدعة، والقيمة المضافة التي تولدها تكاد لا تذكر، إلى أخرى مختلفة، تمتلك الذهنية الإبداعية، والجرأة على المخاطرة التي تتطلبها صناعة تقنية المعلومات والاتصالات، كي تنتقل سوق الاتصالات والمعلومات البحرينية إلى المستوى المتقدم الذي يحقق الفائدة القصوى من مساهمة أمازون في السوق البحرينية. 

- توجيه اهتمام خاص للشركات الصغيرة العاملة في قطاع لاتصالات والمعلومات، كي يتسنى لها الاستمرار من جانب، وامتلاك القدرة على المنافسة من جانب آخر. وهذا يتقاطع مع إعادة تأهيل مؤسسات الاستثمار التي باتت مطالبة هي الأخرى بالالتفات نحو تلك المؤسسات الصغيرة والمتوسطة، وخاصة حديثة العهد منها. وهنا تبرز ضرورة البحث ومن ثم إيجاد المعادلة السليمة القادرة على نسف العلاقة العرجاء القائمة اليوم بين الدولة والمؤسسات الصغيرة والمتوسطة والانتقال بها من مستوى الاعتماد الكامل من قبل هذه الأخيرة على الدولة، إلى علاقة المشاركة المتكافئة المبنية على الندية الشاملة.

هذا على المستوى الدولة، أما على صعيد شركات القطاع الخاص، فهي الأخرى مطالبة بأن تسلخ جلدها التقليدي، وتتمرد على ذهنيتها الساكنة من خلال الخطوات التالية:

- البدء في التأهل كي يتسنى لها نيل شهادات التحول إلى شركاء رسميين لشركة أمازون، وهذه في حد ذاتها عملية ليست سهلة ولا بسيطة، وبحاجة إلى كادر بشري مؤهل أولا، وإمكانات استثمارية في التدريب مكلفة نسبيا ثانيا. وهنا يأتي دور هيئة إصلاح سوق العمل "تمكين"، ومؤسسات أخرى، التي ستقع على عاتقها تحمل بعض مسؤوليات إعادة التأهيل هذه. وينبغي أن تتسلح برامج التأهيل بإعادة هيكلة الشركات ذاتها أيضا.

- التخلص بشكل جذري واستراتيجي من الذهنية "البدوية" المتآكلة التي تتمسك بالفردية، وترفض، بوعي أو بدون وعي، رؤية ما هو مشترك وتكاملي (Synergies) مع شركات أخرى. ففي عالم اليوم، وتحديدا في قطاع تقنية المعلومات والاتصالات، تتنامى الحاجة إلى بناء الشراكات، حتى بين الشركات المتنافسة. وما لم تنض هذه الشركات عنها ثوب الأنانية والفردية، فستجد نفسها خارج السوق، بل ستكتشف، وربما في مرحلة متأخرة، أن من ينعم بخيرات أمازون هي الشركات غير البحرينية التي لن تنال إلا الفتات.

-  بناء الجسور الراسخة والقابلة للاستمرار بين السوق ومخرجات التعليم من خلال برامج محددة، تبتعد عن العشوائية، وترسم معالم طريق واضحة تنظم هذه العلاقة وتضعها في أطرها الصحيحة التي تمكنها من تشييد مخرجات تعليمية مؤهلة، قادرة على الانخراط في سوق العمل، وتحمل المؤهلات التي تمكنها من منافسة اليد العاملة الأجنبية، في أسى الظروف وأصعب المراحل.

في اختصار.. أمازون قادمة، حاملة معها مقاييسها التي تنظم سياساتها، وتحدد أساليب عملها، والسوق الذكية هي تلك القادرة على التأقلم مع تلك السياسات، وتفهم تلك المقاييس، كي تتحاشى الصدام معها، وتضمن عدم هروبها، أي امازون، من السوق بحثا عن أسواق في بلدان أخرى. 

المهمة صعبة، والخطوات معقدة، لكن السوق، وخاصة سوق تقنية المعلومات والاتصالات، لا ترحم السذج، وغير قادرة على التعاطف مع التقليدي، ولا تملك الوقت الذي يجبرها على انتظار نضج الآخرين. لذا ليس أمام البحرين اليوم سوى القفز إلى سطح مركب أمازون كي لا يغادر المرفأ بدونها. 

وكي تكون القفزة سليمة وتحط بصاحبها في المكن الصحيح، عليه أن يمتلك الكفاءة والخبرة والرشاقة الكافية التي تجعل من قفزته مناسبة وتضمن له الفوز على حد سواء.