الحاجة إلى طاقات إدارية جديدة

 

 

راشد البلوشي

 

لا شكَّ أنَّ هُناك بَوْنًا شاسعًا بين المياه الراكدة ونظيرتها المتدفقة؛ فالمياه الراكدة تشكل خطرًا على المجتمع، وقد تنبئ بكارثة بيئية مما تتسبَّب فيه من نقل الأمراض إلى البشرية، ويصبح المواطن يعاني أيضاً من تلك المياه الراكدة سواءً من البعوض أو الروائح المزعجة في كل مكان؛ مما يحدو بالكثير من الناس إلى ترك أماكنهم، ما لم تتدخل أيادٍ مخلصة من الجهات المسؤولة للتحرك بقوة لإنقاذ هذا الهيكل الإداري لكل وحدة.

في حين نجد المياه الجارية دائمة التجدد والحيوية؛ فهي تمتاز بجريانها المستمر؛ مما يجعلها تعطي تجديداً في الحياة بين البشر وتبشر بالخير والعطاء المتجدد والمتواصل.

وباعتبار الإدارة علما وفنا، كعلم ينبغي أن يواكب التجديد وأن يساير كل ما هو حديث، واعتبارها تعتمد على عدة عوامل إنتاج أساسية؛ منها: الموارد البشرية المؤهلة والموارد الفنية وعامل الوقت، فلابد من توظيف هذه الموارد توظيفاً أمثل، وفي الوقت ذاته نجدها فناً لأنها تتعامل مع المورد البشري الذي كرمه المولى العلي القدير، كما أنَّ فلسفة النهضة المباركة بقيادة مولانا حضرة صاحب الجلالة -يحفظه الله- جعلت هذا العنصر البشري هدف التنمية وغايتها.

فالإدارة وهي تدور في محيط التطور والتجديد في شتى مجالات الحياة عليها أن تتكيف مع إفرازات البيئة من أجل الوصول إلى الأهداف.

فلو نظرنا إلى بعض مُؤسساتنا، نجد أنَّها بحاجة لتغيير، بحاجة إلى التفكير بصفة جدية، إلا أن بعض الدماء الإدارية التي لم تعد قادرة على الإبداع الإداري تجمدت، وجمدت معها بقية العقول المتفتحة؛ مما دعاها لترك العمل، لتتيح الفرصة لغيرها من الصفوف بأخذ مقاعدها.. لماذا؟ لأنه لم يعد لديها ما هو جديد في مجال الإدارة؛ فهي لا تسمح للآخرين بالتميز، خشية أن تحل محلها وتستولي على مناصبها، رافضة الأفكار الجديدة؛ فبالتالي ينعكس على المؤسسة وتستمر الحياة اليومية بشكلها الروتيني المعتاد عليه؛ فتضطر هذه العقول والكوادر إما إلى الانتقال للبحث عن متنفس لتسهم بشكل أفضل أو لإيجاد ما يلائم قدرتها على الإبداع، أو لمسايرة واقع تلك الإدارة إلى أن يأتي الله بالفرج القريب.

فهذه الإدارات التي لا نجد فيها التحديث والتطوير، يجب أن تفتح مجالًا أمام الكوادر ذات المؤهلات العلمية. فما تعانيه هذه الكوادر المؤهلة، يقع تحت إشراف إدارات راكدة لا تريد أن تهتم بالتطوير في إداراتها، ولا تترك الآخرين يقومون بطفرة التغيير الإداري لكي تتزامن مع مجريات المرحلة المقبلة. مع أنَّ العالم يشهد طفرة تقنية إدارية هائلة مستمرة.

فالإدارات الحديثة تعتمد على أسس وقواعد وأنظمة ومفاهيم حديثة؛ فتسعى لوضع الخطط والبرامج، وتنمية قدرات العاملين فيها، وتطوير مهاراتهم وإثراء معلوماتهم في مختلف المجالات الإدارية، والتدريب والتأهيل من خلال عقد الدورات لكوادرها، وخلق كفاءات قادرة على تحمل مسؤولياتها، ولا شك أنَّ كلًّا من التدريب والتأهيل ركنان أساسيان لا غنى عنهما معاً في عملية تنمية الكوادر البشرية في مجال الإدارة والمجالات الأخرى المرتبطة بها.

هكذا هي الإدارة في المؤسسات الحكومية: أهداف، تنظيم، إشراف، تطوير، متابعة وتنفيذ، ثم يأتي النجاح. فإذا تبلورت هذه المقومات الإدارية لدى الإداري الناجح بالتأكيد، فإننا نرى إدارة متطورة مستمرة في عملية التغيير. والتحديث لا يتوقف مع منظور واحد أو نظرة واحدة من العمل الإداري، إنما تنتقل إلى المشاركة في الفعاليات الأخرى لتسهم في عملية الإبداع الإداري، ويستمر العطاء من أجل الوصول للغايات والأهداف التي خطط لها من قبل الإدارات العليا.

... إنَّ ما تسعى إليه الإدارات العليا في المؤسسات الحكومية هو الرُّقي بمستوى التخطيط الإداري، والسعي من أجل التطوير وزيادة الإنتاجية في الوحدات؛ وذلك من خلال تأهيل وتدريب الكوادر العمانية الشابة وإحلالها. كما أنَّ النظرة الجديدة التي تبنتها بعض الجهات الحكومية في عملية التعمين وإحلال الكفاءات العمانية بدلا من الوافدة لهي نظرة ثاقبة ونابعة عن قناعة وإدراك منها بضرورة إناطة المسؤولية للكوادر العمانية القادرة على تحملها خدمة هذا الوطن.

فهناك مفاهيم أساسية للإدارة؛ منها: العملية الإدارية كنظام، والتخطيط الإستراتيجي الذي يلازم تلك الإدارة، والتوظيف المناسب للمؤسسة. وبعدها، يأتي دور القيادات الإدارية العليا في التحفيز.

إننا بحاجة لرفد المؤسسات بطاقات إدارية جديدة في الإدارات لتمكينها من تحقيق تطور لائق ومناسب؛ وبذلك نستطيع مجاراة تغييرات البيئة التي من حولنا بنجاح. كما نأمل أننا نجد تجديدًا في الدماء الإدارية في مؤسساتنا الحكومية؛ لأن الزمن يسابقنا، وإذا لم نسايره أو نسبقه فقد تنطبق علينا نظرية "المياه الراكدة"، وسيسود الحياة بين أفرادها الروتين الممل،وتبقى العقول خاملة.